4:54 ملخص المقصد الثاني: ذكر المصنف فيه مسألة العلو، لغرضين: الغرض الأول: أنها مسألة مختصة في هذا الباب ينبني على ثبوتها ثبوت جملة من الصفات، وقد بنى المخالفون فيها: نفي كثير من الصفات على نفيها، كنفي المعتزلة للرؤية بدليل المقابلة الذي حقيقته نفي العلو، فإن الرؤية إنما انتفت عند المعتزلة لأنها تستلزم العلو"الجهة"، ولهذا صار في هذه المسألة اختصاص عند سائر الطوائف. الغرض الثاني: أن مقصود المصنف في هذه الرسالة هو نقض مذهب متأخري الأشاعرة، الذين من أخص مسائلهم نفي العلو، كطبقة أبي المعالي ومن بعده، والرازي وأمثاله، وزعم بعض أئمتهم -كالرازي- أن إثبات الجهة (العلو) مختص بالحنابلة والكرامية، مع أن الحق في نفس الأمر أن أئمة الأشاعرة -كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني فضلًا عن أئمة الكلابية، فضلاً عن سائر أئمة السنة والحديث- يثبتون علو الله سبحانه وتعالى على ماهو مقرر في كتب أهل السنة والجماعة، والأشعري في الإبانة والرسالة إلى أهل الثغر؛ صرح بمسألة العلو، وكذا ابن كلاب -والأشاعرة يعدونه من شيوخهم- صرح في كتاب الصفات في إثبات العلو والفوقية واستدل لذلك بالكتاب والسنة والعقل، وقول ابن كلاب معتبر في مذهب الأشاعرة، ولهذا تجد أن البغدادي يقول عنه كثيرًا "وقال شيخنا ابن كلاب".
ملخص المقصد الأول من مقاصد الرسالة الحموية: أن القول في باب الأسماء والصفات باتفاق أهل القبلة: من القول في أصول الدين، وإذا كان كذلك؛ فإن أصول الدين تعتبر بالكتاب والسنة والإجماع، فإنه من المعلوم بالضرورة الشرعية والعقلية أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهذه الأمه دينها، وأخص ذلك ما يتعلق بأصول الدين وهو التوحيد؛ توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات فإذا علم بالضرورة أن باب الأسماء والصفات مقرر في القرآن والسنة النبوية؛ فإن هذا البيان القرآني النبوي تلقاه الصحابة رضي الله عنهم وفقهوه، والدليل على أنهم تلقوه وفقهوه كما أراد الله سبحانه؛ أن الله تعالى أثنى عليهم بالعلم والإيمان في كتابه وأخبر أنه رضي عنهم ورضوا عنه، ويمتنع أن يثني الله بهذه المقامات على من لم يفقه ما يتعلق بمسائل أصول الديانة وبالأخص ما يتعلق بمعرفة الباري سبحانه وتعالى، وإذا تحقق فقه الصحابة لهذا الباب؛ فإن الصحابة بلغوه التابعين، ويمتنع عدم ذلك لأنه لا يقع إلا من جاهل أو قاصد كتمان الحق والصحابة منزهون عن هذا وهذا، وفي زمن التابعين ظهرت مقالة تعطيل الصفات فأبطلها أئمة التابعين بما هو معروف في كتب السنة المسندة، وهذا متوتر في كلام الأئمة وهذا يدل على أن هذا القول الذي اتخذه الأئمة في مقابل قول الجهمية؛ هو الحق الذي بعث به الرسول ﷺ، فهذا إسناد مذهب أهل السنة ومنتهاه إلى الوحي. ثم ترى أن أصناف المخالفين في قولهم من التناقض والاختلاف قدر معروف، وإذا نظرت في أقرب هؤلاء الطوائف إلى أهل السنة -وهم أئمة الأشعرية كأبي الحسن- وجدت في كلامهم من مخالفة الكتاب والسنة في كثير من الموارد ما هو متحقق بالجزم. فإذا كان ذلك كذلك فمن باب أولى ما يقع في كلام متأخريهم فضلًا عن المعتزلة فضلًا عن الفلاسفة.