﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح: ٢] وَوَضَعْنَا عَنكَ: أزلنا عنك هذا الوزر وهذا الثقل، فتهدأ وترتاح وينشرح صدرك. عَنكَ: تخصيص لقلب النبي ﷺ. وِزْرَكَ: أزال الله عز وجل عن النبي ﷺ الماضي الذي كان فيه، قبل أن يأتيه الإيمان. ⚪ ما الذي أنقض ظهرك؟ 1. ثِقلك: عَدِّد أحمالك حتى ترى ما يستحق وما لا يستحق، فتحذفه لتُخَفِّف عنك. 2. همّك: هناك هموم أرضية تخلو من الآخرة، وهناك هموم سماوية مليئة بالآخرة تجعلك تترفع عن سفاسف الأمور، وهناك هموم إصلاحية وهي أن تكون مهمومًا بأمتك، فأي الهموم همومك؟ 3. ألمك: يخفّف عنك الآلام، ويُخفف عنك حِمل التفكير بأن يعطيك التدبير. 4. ذنبك: هناك خطأٌ أَسَرَك: هو ذنب ما زلت عليه قائمًا فتدعو الله أن يضع عنك وزرك، وهناك خطأ كَسَرك: وهو ذنب مررت به ولكن ما زالت آثاره موجودة إلى اليوم، وهناك خطأ بصّرك: خطئي علمٌ يُنتفَع به، فالله عز وجل دلّك وأخذ بيدك. لم يكلفك الله بما يَشُقُّ عليك، وإنما كَلّفك باستطاعتك وقدرتك. ﴿الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾ [الشرح: ٣] ⚪ كيف ترى ذنبك؟ هناك فرق بين من يُحاسب نفسه صادقًا، وبين من يألف الذنوب ويعتادها. كان النبي ﷺ يرى صغائر الأمور عظيمة جدًا، فلا يقربها! إياك أن تنظر لِصِغَرِ المعصية، لكن انظر إلى مَنْ عَصَيْت. الذنوب مُهلكاتٌ تُطفِئ أفضل ما فيك؛ فلا تجامل ولا تتنازل ولا تألف الذنب ولا تترك نفسك له ولا تَعُدْ إليه، فكلما أَلِفت الذنب، تلِفت منه. ⚪ رباعية الحِمل والثّقل 1. المسؤولية: المسؤولية التي تحملها تجعل ظهرك يتعب، وأول مسؤولية تتحملها هي مسؤولية نفسك. اعرف ما هي مسؤولياتك، ثم اسأل نفسك: هل أعطيت مسؤولياتك حقها أم لا؟ حينما تحمل مسؤولياتك دون أن تعمل لها، تصبح ثقلًا على كاهلك. 2. الثبات: تحتاج أن تثبت في الميادين التي تخوضها وفي المسؤوليات التي تحملها. 3. لو كنت وحدك: عليك أن تتحمّل ولو كنت وحدك لأنه لله. 4. هموم الأمة: هموم تُؤرّقك تجعلك لا تستطيع النوم، وهموم تُحرّكك تعطيك دافعًا للعمل. ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] الآيات نزلت في مرحلة استضعاف تحتاج إلى مبشرات وقوة، فهذا وعد قادم بأن ذكرك سيرتفع أكثر وأن دعوتك سيدخل بها الناس أفواجًا. النبي ﷺ مرفوع ذكره عند الله، ومن الأمور التي رفع الله بها ذكر النبي ﷺ أنه قرن اسم النبي ﷺ باسمه عز وجل في الأذان وفي الإقامة وفي التشهد في الصلاة الإبراهيمية. ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ۝ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ۝ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ۝ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ هذه كلها بيد الله، فإياك أن ترجوها من الناس؛ هي خروج من حولك وقوتك وحول الناس وقوتهم، إلى حول الله وقوته. ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٥، ٦] انتقالٌ لمسار البلاءات ومسار التصبير ومسار العُسر والمعية. مَعَ الْعُسْرِ: هي حتمية الألم، وحتمية أن العسر لا يُحذف ولكن يُزاحم؛ مَعَ: هي المعيّة والرفقة، كما لو أنه مدفون في قلب كل عُسرٍ يُسرٌ، وهي دعوة للتبصير أن تنظر أين حكمة الله في كل بلاء يصيبك. تكرار التهدئة والطمأنة مرتين لتعلم أن الجلل عظيم والمصاب كبير. 🔹 تأمّل ترى عندما تتأمل آلامك يهون بعضها في عينك، وبعضها الآخر ترى حكمة الله فيها من شدة تأملك فيها، وعندها يستحيل العُسر فيها إلى يُسر، وهذا كله لا يخلو من السجود والدعاء. • أنت تُبتلى على قدر دينك، وكلما ازددت إيمانًا زاد بلاؤك، وتُبتلى على قدر حلمك ومشروعك وهمتك كلما كانت لله، وتأتيك مع البلاء الإمدادات. ~"المشاريع لن تُبنى إلا بأحلام أصحابها، والأحلام لن تُحقَّق إلا بمشاريع أصحابها". • أنت تُرزق بقدر ما يُثبّت قلبك، وبقدر كبر الإيمان والحلم والمشروع والهمة التي تسعى لها تأخذ لها معينات، وتُرزق بقدر ما يُعينك على الصبر. لا تغض الطرف عن الانتصارات الصغيرة، فهي التي تبني لك الانتصارات الكبيرة. ⚪ ثلاث نماذج أساسية تُبيّن لك أنه في قلب البلاء كان البناء 1. تربية موسى عليه السلام: عندما اشتد ظلم وطغيان فرعون، وُلِد موسى الذي تربى في قصر من كان يريد قتله، فكانت بداية الفتح. 2. سجن يوسف عليه السلام: كان يٌعَدُّ في السجن، حتى يُقال عنه ﴿إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾. 3. صلح الحديبية: ظن الصحابة أن في صلح الحديبية إجحاف بالمسلمين، فجاءت سورة الفتح في قلب العسر ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾. 🍃 أوقات الفاقات أعياد المُحبين، لأن المحب في وقت الفاقة يقترب. والحزن يضيء جوانب النفس، فيجعلك أكثر عُمقًا، ولولا تلك الثقوب التي فيك، ما تسلل النور إليك! ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾ [الشرح: ٧] هناك عبادات شعائرية كالصيام والقيام والوضوء والصلاة. وهناك عبادات حركية تُحرِّكها النية. أنت في ظل عبادة دائمة ما دمت صادق النية؛ فاستحضر نواياك في كل حلّ وترحال. فَإِذَا فَرَغْتَ: إذا فرغت من دعوة الناس ومخالطتهم ومن العمل الدنيوي. فَانصَبْ: قُم إلى ربك وأَطِل سجودًا وأَطِل دُعاءً. إذا أتممت المهمة، انتقل لشيء آخر، فالمؤمن لا يتفرغ!

الدكتور **