سلسلة علمية لمجموعة شرح المتون العلمية
عناصر الدرس :
- جملة «وأنّه فوق عرشه المجيد بذاته» جعلت الإمام ابن أبي زيد موضوع جدل حول اتجاهه في فهم العقيدة وخاصة في آيات وأحاديث الصفات, وأن الإمام الذهبي عاب عليه استعمال لفظ «بذاته» ونسبه إلى الجهل بعلم الكـلام؛ بينمـافرح بها الإمام ابن تيمية وأتباعه في عصرنا وحاولوا حمل العقيدة علـى مذهبهم.
- مضمون عقيدة الرسالة لايخلف ماقرره الأشاعرة.
- موقف المصنف من علم الكلام ومن متكلمي أهل السنة.
-موضوع الإشكال في كلام المصنف
- غير دقيق ما قاله الإمام ابن تيمية من أنه لم يكن من أئمة المالكية من خالف المصنف فـي قوله:«وأنّه فوق عرشه المجيد بذاته» فقد عارضه أحد أئمة المالكية الكبارهـو القاضـي عبد الوهاب البغدادي, المعاصر للشيخ ابن أبي زيد القيرواني.
- القاضي عبد الوهاب أشعري على طريقة السلف في الـصفات الخبريـة متبعا شيخه الباقلاني في ذلك, أي التنزيه عن الظاهر اللغوي مع تفـويض حقيقتهـا إلـى الله تعالى.
- واعترض على الإمام ابن أبي زيد في استعماله لفظ «بذاته» غير المالكية ومن هؤلاء تلميـذ الشيخ ابن تيمية, وهو الإمام الذهبي الحنبلي. فقال:« وقد نقموا علـى ابـن أبـي زيـد فـي قوله(بذاته), فليته تركها» كتاب العلو: ص.172
- نسأل الإمام ابن تيمية هل كان القاضي عبد الوهاب والذهبي مـن الجهميـة نفـاة الـصفاة؟
- غير صحيح ما نفاه ابن تيمية من أنّه لم يعتمد من خالفه على أنّه بدعة ولا أنّه مخـالف للكتاب والسنّة، بل قد وجد ومنهما على سبيل المثال البغدادي والذهبي.
- تركزت جهود شراح العقيدة في رفع الإشكال الظاهر من ألفاظ هذه الجملة, لما روأ من وقوع ما خاف منه الإمام الذهبي من الإيهام على عوام الناس بمعان لا تليق باالله عـز وجـل ولما رأوا أيضا من محاولات بعض الحنابلة المشبهة.
- وقد اتفقـوا في تفسيرهم لكلام المنصف رغم اختلافهم في ضبط إعراب لفظ «المجيد», إلى اتجاهين:
* الأول: ضبطه بالرفع (المجيد), وهو المشهور, على أنّه خبر ثان لـ(أن ) أي: وأنه المجيد بذاته، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف, وهو «االله», والجار والمجرور «بذاته» يتعلقان به. أي إن مجده سبحانه وتعالى ذاتيا, ليس مكتسبا بالعرش ولا بغيره, أي فهو الغني الـذي لا يفتقـر إلى ما سواه. وهذا الضبط لم يرتضه ابن تيمية, واعتبره جهلا واضحا وصاحبه مبطـل, ولـم يبين وجه الجهل والباطل فيه, واكتفى بالمقايسة عليه سائر صفات االله تعـالى.
وقد رد العلماء علىه : إذا كان المقصود إثبات أن رحمته وعزته حكم واجب لـه بذاتـه, لا بتـشريف مـشرف ولبتخصيص مخصص, بل بذاته العلية المقدسة عن الاحتياج إلاّ أن يكون ابن تيمية لا يرى اتصاف االله تعالى بصفاته اتصافا ذاتيا, بل مكتسبا.
* الثاني: ضبطه بالجر (المجيدِ), على أنّه نعت للعرش وسواء كان هذا أو ذاك, فإن التفسير واحد, وهو حمل كلام ابن أبي زيد علـى تنزيـه الله تعالى عن الجهة والمكان, ليتفق مع سلفيته وأشعريته وما قرره في عقيدته.
- الإمام ابن أبي زيد القيرواني حين تحدث عن المـسألة في « كتاب الجامع», صاغها بغير ما هو مذكور في «الرسـالة», فـذكر الفوقيـة مـضافة للسماوات بدل إضافتها للعرش, وحافظ على لفظ الآية باستعمال حرف «على» وبـذلك رجـع عن مخالفة النص إلى الاتفاق معه، وأسقط لفظ «المجيد بذاته».
- ذكر كلام بعض العلماء في الاعتراض على المصنف وتوجيهها .
- الاعتراض على أبي محمد في قوله عن الله (فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدُ بِذَاتِهِ) كان بشأن لفظتين:
* الأولى تعبيره بـ (فَوْقَ عَرْشِهِ) وما فيه مِن عُدُولٍ عن لفظ النصّ القرآني (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ
* الثانية قوله (بذاته).
- قال القاضي عبد الوهّاب في شرحه ما نصُّه (هذه العبارة الآخرة التي هي قوله على العرش (استوى) أحبُّ إلَيَّ من الأولى التي هي قوله (وأنه فوق عرشه المجيد بذاته) لأنّ قوله (على عرشه) هو الذي ورد به النصّ ولم يرد النصّ بذِكر (فوق) وإن كان المعنى واحدًا، وكان المراد بذِكر الفوق في هذا الموضع أنه بمعنى (علَى) إلَّا أنَّ ما طابَق النصَّ أولَى بأن يُستَعمل). اهـ
- وقال أبو الحسن العَدَويّ في حاشيته على كفاية الطالب ما نصُّه (وأما قوله (فوق عرشه المجيد) فلم يؤخذ عليه فيه أي لأنه ورد الشرع بإطلاق الفوقية كقوله (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )
- وقال الشيخ صالح الآبي الأزهري في كتابه الثمر الداني ما نصّه (فوق عرشه أي فوقية سلطنة وقهر، قال تعالى (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ).
- وقال الشيخ أحمد زروق الفاسي في شرحه على الرسالة ما نصه (يريد فوقيّةً معنويةً، كما يقال السلطان فوق الوزير والمالك فوق المملوك والشريف فوق الدنيء لا أنها حسية، كالسماء فوق الأرض وما في معناه، لانتفاء الجهة في حَقِّه تعالى لما يلزم عليها من النقص والحدوث)، ثم قال (وكأنّه يقول هو فوق العرش من حيث الجلالة والعظمة لا من حيث الحلولُ والاستقرار). اهـ
- قال الشهاب النفراويّ الأزهريّ في الفواكه الدواني ما نصّه (قال في التحقيق أُخِذ على المصنف في قوله بذاته، وقيل هي دسيسة عليه، فإن صح هذا فلا إشكال في سقوط الاعتراض عنه، ولا عليه، لأنه لم يرد بها سمع). اهـ
- وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي في كفاية الطالب الربّاني ما نصُّه (أخذ عليه في قوله (بذاته) لأنّ هذه اللفظة لم يرد بها السمع). اهـ.
- عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل لا تحده الجهات ولا تحتويه الأماكن ولا الأزمان إذ هو خالق كل شيء خالق المكان والزمان والجهات فلو كانت الفوقية وهي من الجهات صفة له لكانت حادثة طرأت عليه سبحانه بعد خلق الجهات ، والله سبحانه قديم الذات قديم الصفات بالاتفاق .
- إن قالوا : إن الجهات قديمة قِدم الذات الإلهية فقد زعموا حينئذ أن في الوجود شيئاً لم يخلقه الله تعالى وأنه ليس خالق كل شيء لأن القديم لا يحتاج إلى خالق وزعموا أنه غير متصف بصفة الأولية إذ لو كان معه شيء لما كان الأول بإطلاق بل يكون أولاً بالنسبة إلى غير المكان الذي زعموا أنه فيه والجهة التي زعموا أنه فيها .
18 сен 2024
