الجيش العربي الذي لا يقهر منذ بداية الدنيا وإلى الآن ، كسر كل جيوش الأرض ، وحطم أقدام الجنود الذين دخلوا اليمن ، الجيش الذي قال عنه الأتراك : ما رأينا مَهلِكًا لجنودِنا كاليَمَنِ. كلَّما أرسلنا إليها الجنودَ ذابوا كذوبِ الملحِ في الماء. لا يعودُ منهم إلا القليلُ . خسر الأتراك في هذه الحرب 100 ألف جندي نتيجة لمحاولاتهم السيطرة على اليمن . بدأت الأولى في مطلع القرن السادس عشر وبدأت الثانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. لم تستطع الدولة العثمانية أن تفرض سيطرتها سوى على زبيد والمخا وعدن طوال تلك السنوات.
في تلك الفترة ذاع صيت الجيوش العثمانية، فما بين بلد يعلن استسلامه دون قتال وآخر لا يناله من القتال سوى الخسائر الفادحة، كانت النتيجة واحدة: سيطرة القوات العثمانية على تلك المقاطعات والأقاليم التي لن تكلفها أكثر من 5000 جندي. من بين تلك البلدان، كان هناك بلد عربي هو الوحيد الذي استعصى على العثمانيين وجعل من أرضه مقبرة جماعية لهم ليطلق عليه الأتراك لقب "مقبرة الأناضول". فكيف حدث ذلك وكيف كانت اليمن إحدى المحطات التي أرهقت الدولة العثمانية ودقت أول مسمار في نعش تلك الإمبراطورية العظيمة؟
- الحملــــــــة الأولـــــــــــــــــى
في بداية القرن السادس عشر، أراد العثمانيون فرض سيطرتهم على اليمن بعد انتصارهم على المماليك في بلاد الشام ومصر. كان موقع اليمن الاستراتيجي الذي يطل على البحر الأحمر وبحر العرب أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت العثمانيين لضم اليمن، خاصة في إطار الصراع مع البحرية البرتغالية التي عملت على تحويل طرق التجارة من البحر الأحمر عن طريق رأس الرجاء الصالح، وهو الأمر الذي أثر على عائدات الموانئ العثمانية. السبب الآخر كان لرغبة العثمانيين في ردع القوات البرتغالية وصد محاولاتها للوصول إلى ميناء جدة، مركز الأماكن الإسلامية المقدسة.
ومما زاد العثمانيين حماساً لضم اليمن هو غياب السلطة المركزية في عهد عامر بن داوود، آخر ملوك الدولة الطاهرية التي كانت تحكم اليمن، والذي لم يعد في حوزته منها سوى عدن. أما صعدة وصنعاء وما جاورها في الشمال فقد كان الأئمة الزيديون يسيطرون عليها، ولم يكن لليمن جيش مجهز ولا إمكانيات عسكرية. كل ذلك دفع الصدر الأعظم للدولة العثمانية سليمان باشا لتحريك حملة بحرية كبرى للسيطرة على اليمن في عام 1538.
قال سليمان باشا حينها أن دخول اليمن لن يكون أمراً ممكناً فحسب، لكنه سيكون في غاية السهولة ولن يكلف الدولة العثمانية جهداً للسيطرة على تلك المقاطعة الخالية من حاكم فعلي. أبحرت الحملة من ميناء السويس في مصر، وطردت البرتغاليين من البحر الأحمر ووصلت إلى قبالة ميناء عدن في العام نفسه. سرعان ما سيطر العثمانيون على عدن والحديدة وكامل سواحل اليمن الغربية والجنوبية، وبدا الأمر للعثمانيين على أنه حسم لصالحهم. لكن سرعان ما اصطدمت القوات العثمانية بجيش من نوع آخر لم يكن في الحسبان، وهي القبائل اليمنية التي كونت من نفسها تشكيلات عسكرية وبدأت في مقاومة الجيش العثماني.
تكبد العثمانيون خلال بضع سنوات فقط قرابة 80 ألف جندي ولم يستطيعوا فرض سيطرتهم الفعلية على اليمن. كانوا كلما أخمدوا ثورة في منطقة تندلع ثورة في منطقة أخرى مما تسبب في استنزاف الجيش العثماني بشكل كامل. استمرت المعارك بين العثمانيين والقبائل اليمنية حتى مطلع القرن السابع عشر لتندلع الثورة الأهم والأبرز بقيادة الإمام القاسم بن محمد والتي أكملها أبناؤه من بعده لتنتهي بخروج وانسحاب القوات العثمانية من اليمن عام 1635، لتصبح اليمن حينها أول بلد عربي يتمكن من الاستقلال عن الإدارة العثمانية.
- الحملــــــــة الثانيـــــــــــــــــة
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عاود العثمانيون المحاولة لضم اليمن إلى دولتهم. تمكنوا بالفعل هذه المرة من دخول صنعاء والسيطرة عليها بقيادة أحمد مختار باشا واتخذوا منها عاصمة للدولة العثمانية. عمل العثمانيون في الأعوام الأولى من تلك الفترة على إنشاء الكثير من المشاريع الخدمية والمدارس والطرق، غير أن اليمنيين لم ينظروا إليهم إلا كمحتلين لأرضهم. لكنهم كانوا يترقبون الفرصة المناسبة. بقي الوضع على حاله حتى أواخر القرن التاسع عشر حين اندلع التمرد بقيادة الإمام المنصور بالله بن يحيى. حينها تمكن أنصاره من محاصرة صنعاء والسيطرة عليها.
حاولت الدولة العثمانية إرسال قواتها للتصدي لهم لكن محاولاتها باءت بالفشل. وفي مطلع القرن العشرين، توفي الإمام المنصور ليكمل من بعده ابنه المتوكل المقاومة والتمرد والتي تكبد فيها العثمانيون الخسائر الفادحة. اضطرت الحكومة العثمانية لعقد الهدنة والاعتراف بسيادة الإمام المتوكل. هدأت الأوضاع حينها لكنها لم تلبث أن اشتعلت مرة أخرى بعد عدة أعوام. أرادت الدولة العثمانية أن تنهي الأمر هذه المرة، فارسلت مدداً بقوات كبيرة يرأسها رئيس الأركان أحمد عزت باشا الذي اضطر أمام المقاومة العنيدة لعقد صلح مع المتوكل مدته سبع سنوات، ثم غادر اليمن ليخلفه نائبه محمود نديم بيك الذي أسدل في عهده الستار على العهد العثماني في اليمن، ليكون هو آخر والٍ عثماني بها حتى خروج العثمانيين عام 1918.
لدعمكم في تطوير المحتوى : paypal: aboudb002@gmail.com
انضموا معنا على تلغرام : t.me/ahdasalalam
أتمنى أن الفيديوهات التي سأعرضها لكم في قناتنا أن تنال إعجابكم
أراءكم وتعليقاتكم تهمنا 👇 أتمنى لكم مشاهدة ممتعة
أشترك معنا الأن - بالضغط على زر أشتراك ليصلك كل ما هو جديد
6 июл 2024