كان هذا سادس صعود جبل موسى، فقد صعدت مرارا وتكرارا من جهة بنيونش.
لكن هذه المرة كانت من الجهة الاخرى،
بدأنا الانطلاق من قرية البيوت، بين الدالية وبنيونش، مرورا بعبور الواد الكثيف بالأعشاب والصخور وصعب الاجتياز، صعدنا لغار الكحل حيث كانت تجربة اكتشاف رائعة ثم مررنا بمنطقة الحطبة صعودا عبر عين مباركة حيث التقينا بشبان كثيرين من الافارقة. كانت وجوه بعضهم ونظراتهم تبعث على الرعب، وكان من الواضح انهم لن يترددوا في فعل اي شيء للحصول على الاكل. اعطاهم الاخوان بعض الزاد. أضفت لتر ونصف من الماء على نصف لتر تبقى في القارورة التي كنت احملها، ثم بدأنا الصعود العمودي لجبل موسى. هو في الحقيقة لم يكن صعودا كلاسيكي كان تسلقا بالايادي والارجل بدون عصي، ولساعات. .
كان التسلق بالنسبة لي عبر مراحل متقاطعة حيث غلبت علي الحرارة المفرطة ونفد الماء وعظم تحرك الهواء.
شعرت طوال التسلق والنزول وكان احدا ينفخ في وجهي بميبس شعر ساخن.
طوال تلك المراحل كنت اشعر بدوخة وجفاف الحلق وعدم القدرة حتى على الرؤية الواضحة. وكان من اللازم ان اجلس لاستريح .
كنت قلقا من القيام بحركة خاطئة او خطوة على حجر غير ثابت فأهوي للقاع السحيق.
ولكن ان اخترت ان تستريح تحت لهيب الشمس الحارقة وسخونة الصخور والعطش هو بمثابة انتحار فعلي.
فكلما قعدت لتستريح كلما عييت اكثر وفقدت القدرة على اكمال المسار.
يجب على الانسان التحرك ولو كان على شفا الموت.
كان الاخ نور الدين في. البداية صبورا ومسندا يعتمد عليه، لكن الوضع أصبح اصعب فاصعب حيث كان مفروضا علي ان اتوقف لاستريح لفترات اطول فاطول مما دفع الاخ نور الدين لاكمال الصعود حيث أخد الاخ ياسين مكانه في الوقوف بجانبي في تلك الفترة الجد صعبة. تحمل المسكين ما تحمل معي. لن اخفي عليكم اني شعرت براحة خلال فترة من الفترات الصعبة قبل القمة بمئتي متر أمضيناها كل واحد قابع في ما يشابه الجحر على بعد خمسة امتار من بعضنا البعض تحت ظل الصخور في صمت رهيب يقطعه صوت التنفس السريع.
لن انسى تلك اللحظة التي مدني فيها بجرعة من الماء من قارورته التي يحملها على ظهره، كون مائي نفد قبل نصف ساعة.
عاد الاخ توفيق بعد ساعة ليمد لي يد المساعدة المعنوية والفعلية كانت بمثابة الدفعة النهائية التي اوصلتني للقمة.
وصلت للقمة وأنا لا اصدق نفسي.
ارتحنا بعض الشيء استعدت خلال الجلوس في الظل وجرعتين اضافيتين من الماء مدني بها الاخ توفيق ببعض الطاقة.
عند النزول، قرر الاخوان تغيير المسار الذي اعتدت عليه بحكم، في رأيهم انه اسهل ولكنه كان أطول وكذلك صعبا جدا بالنسبة لي في حالة العياء الذي كنت فيه.
نزلت عبر مراحل كثيرة، قمت بمجهود اكبر بكثير مما كان يستحمله جسمي الجاف تحت ظروف جد جد صعبة.
وجدت نفسي لحظة اني اتنفس بصعوبة وبصوت مرتفع.
وصل بي العطش والحر الشديد والاعياء تحت لهيب الشمس الى درجة الاحساس باحتياج اسعافات اولية مستعجلة.
كنت اعاني من دوخة ونقص في الهواء بحيث كنت اتنفس وكان الهواء ليس كافي بالمرة، شعرت فجاة وكاني في غرفة الانعاش التي عرفناها ايام كوفيد..
كانت الساعة حوالي الرابعة مساء تقريبا.
كنت لوحدي.
الاخوان كلهم نزلوا .
كنت في وضعية حرجة جدا بدون هاتف حيث كان هاتفي في حقيبة الظهر الذي حملها الاخ ياسين والذي نزل للبحث عن الماء.
بعد فترة من الوقت تنقلت فيه من مكان لاخر وانا ازحف واكني اهرب من الموت، وصلت فيه الى درجة اني لم اعد قادرا على الصراخ لطلب النجدة،
فجاة، ظهر شبح الاخ توفيق وهو يلوح لي من بعد..
وصل لمكاني وهو يجري حاملا قارورة ماء اقتناها من بئر بعيدة حوالي اكثر من كيلومتر ..
تمضمضت بجرعات قليلة جدا حيث كنت اعرف خطورة الشرب في تلك الحالة.
قال لي توفيق انه كان عند البئر حين شعد بصوت يقول له املئ قارورة ماء وتوجه للاعلى ، هناك من يحتاجه.
استعدت بعدها طاقة اكمال النزول بمساعدة الاخ توفيق.
نزلنا الى احد السفوح حيث وجدنا الاخ ياسين في الانتظار
بعد قطع كيلومتر تقريبا، ظهر الاخ نور الدين حاملا قارورة ماء باردة. ثم اعاناني الاثنين على اكمال المسار.
توقفت عدة مرات في حالة تنفس صعب جدا ..
وصلنا للبئر او العين.. حيث كان الاخ ياسين ومحمد العربي في استراحة.
فجأة وبدون سابق انذار شعرت بطاقة قوية، وجدت نفسي تحت دهشة الجميع وانا امشي نازلا بسرعة، تتخللها فترات جري وكان شيء لم يكن ...!!!!
سمعت ورائي صوت الاخ توفيق يقول.
من هذا الشخص الذي خرج من البئر؟ اين غاب حسن؟!؟!
3 окт 2024
