عن أطول قصة وردت في القرآن، والتي شائت الإرادة الإلهية أن تبقى في كتابه الأخير لتهدي الناس منذ لحظة نزولها إلى نهاية الزمان.
عن المواجهة المتكررة والدائمة بين النبوة وأتباعها وشعبها، ضد الفرعونية وجنودها وشعبها.
والفرعونية: هي منظومة متكاملة في التفكير والسلوك والحكم، وهي كذلك نفسية إنسانية يمتاز أصحابها بالاستكبار والفُجر عندما يملكون القوة، والذلة والتزلف عندما يفقدوها، أو عندما يكونون في حضرة من هو أقوى منهم.
الفرعونية هي منظومة الظلم والاستبداد وقهر الإنسان وهي كما حدثنا القرآن - وكما يؤكد لنا علماء المصريات - تجسدت في الحضارة المصرية الفرعونية والتي امتدت لحولي 3500 عام قبل ميلاد السيد المسيح، وارتكزت على:
1- إنسان طاغية يحتكر السلطات بيده، ويتعامل كأنه إله أو ابن آلهة (الفرعون)
2- قوات مسلحة خاضعة له تفعل مايأمر الفرعون مهما كان منحطًا أو قذرًا، مقابل أن تحافظ على منافعها ونمط معيشتها ( جنوده)
3- تدين منحرف يسعى لتحقيق إرادة الفرعون لا إرادة الرب سبحانه وتعالى ويحارب التوحيد الحق بكل مايملك، وتقوم عليه مؤسسات دينية رسمية، بقيادة رديئة الأخلاق منتفعة بسلطة الفرعون وجنوده ( كهنة معابد الآلهة)
4- مجتمع مسحوق يتم تسخيره واستعباده وتجهيله من أجل تحقيق الإرادة الفرعونية، حتى يخلق إنسانا هشّا يمكن الاستخفاف به (فاستخف قومه فأطاعوه) ، ويخلق بشرًا لا يتبعون إلا من بيده القوة والبطش وليس من معه الحق ( لعلنا نتّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين)
5- إعلام يقوم على قلب الحقيقة والتزوير حتى لو كانت وقائع رآها الناس بأم أعينهم، ففي زمن الفرعونية الأولى رأى شعب الفرعون ما أسماه الله في القرآن (تسع آياتٍ بينات)؛ رأوا المياه والزرع والطبيعة تتغير من حولهم، ورأوا سحرة فرعون وهم يؤمنون بموسى عليه السلام، ومع ذلك لم يدفعهم ذلك للاستسلام لرسالة موسى عليه السلام أو الإيمان بنبوته.
لأجل ذلك، ولأنه نموذج سيتكرر كثيرًا في واقع الإنسان، فقد ثبّت الخبير العليم سبحانه وتعالى في القرآن هذه القصة، لنتعلم منها ونسرتشد، وننحاز إلى صف الأنبياء، وأتباع الأنبياء، ورسالة الأنبياء، ضد الفرعونية وثقافتها وتربيتها وجنودها ومؤيديها، مهما كثروا، ومهما كانت لهم الغلبة في لحظة من لحظات التاريخ.
فإن الأمر لله يورثه من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
فاللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.
ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
اللهم آمين
** هذا المقطع جزء من سلسلة معايشة الأنبياء والصالحين، وهي سلسلة يتأمل فيها الأستاذ الإمام حازم صلاح أبو إسماعيل قصصهم، وتُذاع كل أحد وثلاثاء وجمعة، تجدون قائمة التشغيل هنا:
• سلسلة معايشة الأنبياء ...
21 авг 2021