صرايف بغداد // قصص عراقية / محمد خليل كيطان 

صرايف بغداد
تاريخ الاقطاعيين المتنفذين في العراق يرجع الى عهود غابرة من ايام السومريين والبابليين أذ استحوذوا على الاراضي الزراعية بالقوة وبمساحات شاسعة ثم اخذوا يستخدمون ضعاف الفلاحين باساليب تصل حد الاستعباد.
وهكذا بقي الفلاحون يعملون في ارضيهم طوال سنوات وسنوات بشكل أُجراء وسخرة هم واسرهم مقابل غلات موسمية قليلة لا تتناسب ابدا مع حجم ما يقومون به من اعمال شاقة صيفاً وشتاءً .
يعني الفلاح يحرث ويزرع ويداري ويشتغل ليل ونهار ويجي الاقطاعي باخر الموسم ياخذ اغلب المحصول ويترك الفلاح واهله بحسرتهم.
بالعهد العثماني تضاعفت سطوة الاقطاعيين بعد عام 1861 بعد صدور فرمان يتيح للمتنفذين امتلاك الاراضي الزراعية الشاسعة في مقابل دفع حصة الى الدولة العلية .
وبقى نظام الاقطاع في العهد الملكي مع دخول الانكليز اذ اضيفت سطوة الهيمنة السياسية الى هيمنة الاقطاع والملاك ودخل شيوخ العشائر الى الحياة السياسية والنيابية وتركوا امور ادارة المزارع والاملاك الى اشخاص ينوبون عنهم عرف الواحد منهم باسم السركال او السركار وتعني من جملة ما تعني (رأس العمل ) وهو المشرف المباشر في التعامل مع الفلاحين.
وصاروا الشيوخ والسركالية يتدخلون في ادق تفاصيل حياة الفلاحين الاجتماعية وكأنهم يملكون اجسادهم وارواحهم حتى طفح الكيل وقرر الكثير من الفلاحين هجر اراضيهم ومزارعهم والنزوح نحو المدن الكبيرة كالبصرة اولا ثم بغداد ثانيا التي شهدت زخماً كبيراً حولها لتشكيل ما يسمى بحزام الفقر .
ومع بدء تأسيس الجيش العراقي عام 1920 وجد اولئك النازحين فرصة طيبة للتطوع في سلك الجيش وضمان مصدر دخل ثابت وعليه فقد بدأت الهجرة الاولى ايام الحكم الملكي على شكل أعداد قليلة متسللة من الوية العمارة والكوت والناصرية ، وبعض الألوية الجنوبية الاخرى .
والحق انه ليس كل هجرة هي سلبية اذ كانت الهجرة في بداياتها قد شكلت عاملا ايجابياً مع تزايد عدد المصانع والمعامل في بغداد وبرزت الحاجة الى الايدي العاملة ،وسكن أولئك المهاجرون بعض الخانات البغدادية ببدل ايجار زهيد لا يتجاوز الـ 25 فلساً ، والملفت ان اولئك المهاجرين على الرغم من فقرهم الا انهم تربوا على اصول القيم العشائرية العربية وكبرياء الاصل والفصل ،وكانوا في البدء يرفضون العمل كأجراء وعمال خدمة الا ان قسوة الحياة اضطرتهم للتنازل والعمل ببعض المهن البسيطة كحمالين وباعة جوالين وفي اسطبلات الخيول والمواشي ، ومع مرور الأيام ازداد وصول الفارين من نار الإقطاعيين إلى مدينة بغداد ، لدرجة أن الخانات لم تعد قادرة على استيعابهم، فأخذوا يبنون لهم "مساكن" خاصة في الفراغات الموجودة بين بيوت بغداد وأحيائها مستغلين المساحات العامة والفسحات المتروكة .
يسهل عملية وصول سكان المدينة في أقصر وقت ممكن(كانت اجرة النقل في مصلحة نقل الركاب بـ 10 فلوس الى كل من النهضة والعلاوي ) .
وبالرغم من كل هذه الاغراءات الا ان بعض من اصحاب الصرائف لم يستجيبوا لقرارات لجنة الاسكان والترحيل وآثروا البقاء في صرائفهم بسبب قرب محل سكناهم من مكان عملهم، مثل أولئك الذين سكنوا إلى جوار معامل الطابوق في مناطق الشماعية وشاعوره وأم جدر.
غير أن الشرطة كانت ترحل هؤلاء من أماكنهم إلى الأراضي التي خصصت لهم بقوة القانون .
وفي نهاية 1962، تم بناء 28 مدرسة ، ووضع الخطط لبناء ثمانِ مدارس أخرى، وفتحت مديرية الإعاشة العامة أربعة مخابز عامة، فيما قررت وزارة الصحة بناء مستشفى كبير بسعة 500 سرير يخدم مدينة الثورة الجديدة لوحدها .
اما في جانب الكرخ فقد أعلن حسن رفعت وزير الأشغال والإسكان ومساعد عبد الكريم قاسم في مشروع اخر التخلص من الصرائف في بغداد، وتم انشاء مدينة جديدة عام 1964 اطلق عليها الزعيم عبد الكريم قاسم مدينة الشعلة ،وان تصميمها صار على غرار تصميم مدينة الثورة ، واستوعبت المدينة الجديدة 20 ألف عائلة من سكان الصرائف، وقد خصصت اساسا لأصحاب الصرائف في الشاكرية والوشاش والكاظمية.
لكن مع كل ذلك قام قسم من الذين تسلموا الاراضي ببيعها بملبغ 5 دنانير تقريبا ولم يعمدوا على بنائها علما ان سعر دبل الطابوق في حينها كان لا يتجاوز الـ 3 دنانير واجرة اسطة البناء والعامل لا تتجاوز الـ 3 دنانير .