عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا . قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا . قَالُوا : وَفِي نَجْدِنَا ؟ قَالَ : هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) رواه البخاري (1037) ومسلم (2905) ، واللفظ للبخاري . والحديث يشمل كل ( نجد ) : أي كل مرتفع من الأرض بالنسبة للحجاز في جهة المشرق ، وذلك يشمل نجد الحجاز ونجد العراق . فالاستدلال بهذا الحديث على ذم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي دعا فيها الناس إلى التوحيد الخاص ، ونبذ الشرك وعبادة القبور من الباطل المحض
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " معنى سويتَه ، يعني نقضته وهدمته حتى يستوي بالأرض ، ما يبقى إلا علامة القبر قدر شبر ونحوه . هكذا شرع الله القبور : أن ترفع قدر شبر من الأرض ، حتى يعرف أنها قبور ، لا توطأ ولا تمتهن ولا يبنى عليها " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (2/ 369) . ودعوى أن الأمر بتسوية القبور خاص بقبور اليهود والنصارى دعوى باطلة ، وذلك لما يلي : أولا : أن الأمر عام ، والخصوصية تحتاج إلى دليل تخصيص ، ولا دليل على ذلك ، وإنما الدليل على خلافه . فقوله : ( لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ) ، نكرة في سياق النهي ، فتعم كل قبر ، لأن النكرة في سياق النفي أو النهي تعم ، كقوله تعالى : (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الكهف/ 23، 24 ، وقوله تعالى : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) القصص/ 88 ، قال القرافي رحمه الله : " النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ ، كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ : تَعُمُّ " انتهى من " الفروق " (1/ 191) .
: روى مسلم (968) - قبل هذا الحديث مباشرة - ، عن ثُمَامَةَ بْن شُفَيٍّ قَالَ : " كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ ، فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا ، فَأَمَرَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا " . فهذا فعل صحابي ، بقبر رجل من المسلمين ، بمقتضى ما فهمه من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور . ثالثا : لو جاز القول بأن الأمر بتسوية القبور خاص بقبور اليهود والنصارى ، لكان لقائل أن يقول : إن الأمر بطمس الصور والتماثيل خاصا بهم أيضا ، لأن الأمرين وردا في الحديث معا ، وهو باطل ، كما لا يخفى ، ولم يقل به أحد من أهل العلم .
البناء فوق القبر - سواء كان فوق القبر مباشرة أو كان حول القبر - أمر محرم لأنه من تعظيمها ، وهو ذريعة إلى الشرك والفتنة بها . ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من أصحابه أنهم أمروا بالبناء على قبورهم ، وجعلها في أضرحة أو بيوت تحيط بها ، وإنما المعروف النهي عن ذلك . وهذه قبور الصحابة في البقيع إلى اليوم ، ظاهرة للناس ، ليست مرفوعة ، وليس على شيء منها بناء من ضريح أو غيره . أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم : فهلم نحتكم إلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده بشأن قبره صلى الله عليه وسلم ، فيقال للمخالف : لو كان البناء على القبر من السنة لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ، والحاصل خلاف ذلك ، وإنما بنى المسلمون على قبره صلى الله عليه وسلم ، وعلى قبر صاحبيه رضي الله عنهما ، لما احتاجوا إلى توسعة المسجد ، فبنوا على القبر حيطانا ، لئلا يظهر أنه من المسجد فيصلي إليه العوام ، ويفتن به الجهال . روى البخاري (1390) ومسلم (529) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : ( لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) ، لَوْلاَ ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ - أَوْ خُشِيَ - أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا .