في دُجَى الليلِ العميقْ رأسُهُ النَشْوانُ ألقوْهُ هشِيما وأراقُوا دمَهُ الصافي الكريما فوقَ أحجارِ الطريقْ وعقابيلُ الجريمةْ حمّلوا أعباءَها ظهْرَ القَدَرْ ثم ألقوْهُ طعاماً للحُفَرْ ومَتَاعاً وغنيمةْ.. وصباحاً دفنوهُ وأهالوا حقْدَهم فوق ثَرَاهُ عارُهُم ظَنُّوه لن يُبْقي شذاهُ ثم ساروا ونَسُوهُ والليالي في سُرَاها شَهِدَتْ ما كان من جُهْدٍ ثقيلِ كلَّما غطَّوْا على ذكرى القتيلِ يتحدّاهُمْ شّذَاها حسِبوا الإعصارَ يُلْوَى إن تحامَوْهُ بسِتْرٍ حاجبٍ ضوءَ النَهارِ غير أنّ المجدَ أقوى ومن القبرِ المعطّرْ لم يَزَلْ مُنْبعثاً صوتُ الشهيدِ طيفُهُ أثبَتُ من جيشٍ عنيدِ جاثمٍ لا يتقهقرْ.. وسيبقى في ارتعاشِ في أغانينا وفي صَبْرِ النخيلِ في خطى أغنامنا، في كلّ ميلِ من أراضينا العطاشِ فليُجَنُّوا.. وليقتلوهُ ألفَ قتْلَةْ فغداً تبعثُهُ أمواهُ دجْلةْ وقُرانا والحَصَادُ يا لَحَمْقِ الأغْبياءْ مَنَحُوهُ حينَ أردَوْهُ شهيدا ألفَ عُمْرٍ، وشباباً، وخلودا، وجمالاً، ونَقَاءْ إنّه عادَ نبيّا وهو قد أصبح ناراً تتحرَّقْ في أمانينا، وثأراً يتشوّقْ وغداً يُبعْثُ حيّا