من المعلوم أن العاصي ظالمٌ لنفسه بارتكابه للمعصية.. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللهَ يَجِدْ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)﴾ (النساء). وما دامت قيمة مقاومة الظلم والظالمين من القيم الإسلامية التي حرص الإسلام على زرعها في قلوب المسلمين؛ فإن مقاومة الظلم والظالمين فيما يتعلق بالعصاة من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- هي في الأخذ بأيديهم إلى برِّ الأمان، وهو ما نحن بصدده في هذه السلسلة المنهجية في كيفية التعامل مع أصحاب المعاصي والذنوب. السبيل الأول: تأليف القلوب: ليكن قلبك وعاء حب يسع العصاة ويحتويهم، ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ النجاة.. لماذا؟! 1- لأن رسالة الإسلام رسالة رحمة، وأسوتك في ذلك رسولك صلى الله عليه وسلم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)َ﴾ (الأنبياء). 2- لأن طبيعة النفس البشرية أن تحبَّ مَن أحسن إليها، وأن تبغض من أساء إليها. 3- لأن النفس البشرية ليست حجرًا صلدًا، وليست كذلك ملكًا عابدًا؛ ولكنها بين هذا وذاك؛ ففيها الخير والشر.. ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾ (الشمس). 4- ولأنك بتأليفك لقلب العاصي تُعين نفسه على مقاومة الشر الكامن فيها؛ فتنهض النفس من عثرتها بالحب واللطف، بالرحمة والصبر. ولا تجعلن همك هو كسب المواقف؛ ولكن كسب القلوب. وبكسبك للقلوب يمكنك أن تكسب المواقف، وتأخذ بأيدي العصاة إلى طريق الله رب العالمين. واعلم أن المعصية إنما تقع بسبب قساوة القلوب.. وأن المعصية أيضًا تؤدي إلى تلك القسوة في القلوب. فضع نصب عينيك دائمًا أن العاصي من ورائه شيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهو الذي استغلَّ ضعف النفس، وقسوة القلب، وطول الأمد، وتغلُّب الشهوة، وفورة الغريزة، فانتهى بالعاصي إلى ما هو فيه، فأعداؤك كُثر إذن، والحكيم مَن تلطف وتحايل على هذه النفس، بالحب تارةً، وباللين تارةً، وبالحكمة دومًا. قضيتك أيها الداعية المصلح ليست كشف عورات العصاة وتتبع سوءاتهم؛ ولكن قضيتك إصلاح قلوبهم لتنصلح بعد ذلك جوارحهم.. قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب" (من حديث ابن مسعود عند الشيخين).