طالما سمعت الناس ينادون والدي الله يرحمه ويرحم والديكم (ملا خليل) ، وعندما كبرت سألته عن اصل التسمية فقال : ابني هاي التسمية تعود لكوني خريج الكتاتيب او الملالي البغدادية اللي كانت منتشرة قبل شيوع المدارس في بغداد والمحافظات العراقية وحتى البلدان العربية والاقليمية .
وكانت تعقد هذه المجالس التعليمية في المساجد والحسينيات والبيوت ودواوين شيوخ العشائر ورجال الدين.
يتعلم الاولاد والبنات في مجاميع منفصلة قراءة القرآن الكريم وبعض دروس الحساب والخط العربي .
وكان هناك كثير من الملالي المتخصصين بتعليم الاولاد الذكور، والملايات اللواتي يعلمن الذكور والاناث على حد سواء .
وتخرج كثير من المشاهير والعلماء من دور الكتاتيب مثل الشاعر محمد مهدي الجواهري والعلامة مصطفى جواد والشاعر العامي الكبير ملا عبود الكرخي الذي تعلم القراءة والكتابة على يد ملاية اسمها (زمو) ذكرها في شعره بالقول:
على قطعة تنك دائمي تكتّبني
بفحمة
وبالمداس الصبح تضربني..!
ويبدو ان اغلب الملالي والملايات كانوا قساة على الاولاد والبنات ويعاقبونهم اشد العقوبات، مثل الوقوف على تك رجل لاوقات طويلة او وضع القلم بين اصابع اليد ثم عصرها فيشعر الطفل بالالام مبرحة ، اما الفلقة فقد كانت من اشهر العقوبات واللي انتقلت من الكتاتيب الى المدارس وبقيت بيها حتى امد قريب ، وكانت الفلقة عبارة عن عصا قوية يمتد بموازاتها حبل اطول منها بقليل يربط في طرفيها ، ويقوم الملا بادخال قدم الطفل المعاقب بين الحبل والعصا ثم يعمد الى لف العصا بالاستعانة بمساعدين اثنين يمسكان الطرفين حتى تنحصر اقدام الطفل عندها يشرع بالضرب على راحة القدم بخيزرانة تلسع لسع وان تعذر وجود خيزرانة فانه يستخدم مداسه الجلدي اليابس ويضرب الطفل ضرباً مبرحاً حتى يستغيث.
وكان الاباء والامهات عندما يأتون بابنائهم وبناتهم للملا يقولون :( ملا الك اللحم والنا العظم) أي لا مانع من الضرب والعقاب شريطة أن لا يؤدي ذلك الى كسر العظم .
وكان هناك بيوت ببغداد تعمل على استقبال الاولاد لعدة ساعات من النهار بما يشبه الحضانة او الروضة اليوم والعامل بيها يسمونه لاله .
مثل لأله هراتي ولأله عليوي ولاله خديجة بجانب الرصافة.
وكان اسلوب التعليم يعتمد على تحفيظ الحروف العربية اولا من دون حركات مثل ( اليف بيه تيه ثيه وهكذا ).
بعدها يضعون الحركات وكل حركة لها صوت :
فصوت الفتحة هو ( زبره ) فيقال (الف زبر ان باء زبر بن تاء زبر تن ).
اما صوت الكسره فهو ( زيره) فيقال ( الف زر اي باء زر بي تاء زر تي ).
اما صوت الضمة فهو ( بيشه) فيقال مثلاً ( الف بش او باء بش بو تاء بش تو ) وهكذا ..
اما احتفالات وولائم التخرج والحفظ للدارس فكانت تقام على مراحل مثل حفظ جزء من القرآن او نصف القرآن فتقام وليمة معينة بتلك المناسبة اما الفرحة تكون عند الختمة وهي وليمة رنانة يدعى لها كل اهل المحلة وتتحضر صواني الشموع والزهور والحلويات والمزيقة ويدور الاولاد بالشوارع والدرابين يتقدمهم ( الخلفه) وهو كبير التلاميذ في الصف بقراءة دعاء ( الحمد لله الذي تحمدا حمداً كثيراً ليس له عددا )
ومصطلح الملا يمكن ان يكون ملاصق للشخص طول حياته حتى وان لم يكن يعمل في التعليم والتحفيظ ومنهم المقرئين في ( السبايات) الحسينية مثل الملا سلمان الكرخي الذي كان ينشد في مواكب الشواكة وباب السيف والعلاوي والكريمات والشيخ بشار.اما لقب ملاية فقد اشتهرت به المغنية البغدادية المعروفة صديقه الملاية .
فيما التصق هذا اللقب بالكثير من القراء ومنشدي الاذكار اشهرهم الملا عبد الستار الطيار الذي كان يجلس مساء كل جمعة على التخت الخشبي الموجود عند بوابة الحضرة الكيلانية .
وهناك الملاية الكوالة التي تقرأ على النساء في المآتم وتحمل دفتراً فيه الاشعار والمقولات المأثورة.وقد وجدنا ايضا ان الملا لقب لبعض قراء المقام والبسته البغدادية منهم الملا حسن البابوجي والملا خضر الجصاني والملا سعدي الموصلي وغيرهم .
بعدها صار لقب الملا منصب اجتماعي هو أقل من لقب البيك والباشا ولكنه يماثل لقب الافندي ذلك ان الافندي يطلق على الشخص الذي يرتدي الملابس الأوروبية القاط والباينباغ في حين ان لقب الملا يطلق على من يرتدي الصاية والعباية والجراوية او العقال .
ومن الملالي الشهيرات من النساء الملا قنبوره في الحيدر خانه والملا اسماء ومرزوكة في باب الشيخ والملا نعيمة في سيد عبد الله والملا فطومة في العاقولية والملا بيبيه في رأس الساقية ثم الملا زهره في محلة سراج الدين.أما الملالي الذكور فمنهم الملا صالح والملا عبد الغني في باب الشيخ والملا محمد بن حاج فليح والملا قاسم المغربي والملا عباس بهي والملا أسعد من الحضرة الگيلانية والملا أحمد في سوق الجوخجيه ثم الملا ابراهيم من تحت التكيه وغيرهم العشرات من ملالي بغداد والاعظمية والكاظمية .
لهنا تنتهي قصتنا عن الملالي والكتاتيب .. ولو جان بيتنا قريب جان جبتلكم طبك حمص وطبك زبيب.
29 авг 2024
