{ 2 }
{ عمل الصحابة رضى الله عنهم }
#الدعوة_العمومية :ــ
إن السابقين من هذه الأمة جعلوا الدعوة إلى الله مقصد حياتهم من أول يوم عرفوا فيه الإسلام وآمنوا به ، حتى أن موتهم وحياتهم لأجل الدعوة وما توانوا فى سبيل نشرها ، فقد كان الصديق رضى الله عنه تاجرا ، ولكنه بعد الإيمان أصبح مشغولا بدعوة الناس إلى الله ليلا ونهارا ، وفى أثناء ذلك كان يلتقى بأنواع الناس ، ويتحمل منهم أنواع المشقات والعناء والأذى ، ومع كل هذا لم يجلس عن هذا العمل ولا ليوم واحد ، فهو يتكلم إلى الناس واحدا واحدا ، ويدعوهم إلى الإسلام ، حتى إذا انقضت فترة من الزمن على الدعوة الإنفرادية ، ودخل فى الدين قرابة ثمانية وثلاثين رجلا ، ألح أبو بكر رضى الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم فى الظهور بالدعوة والجهر بها فى المسجد الحرام ، وفى المجامع العامة ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام دعاه إلى الإنتظار والتريث لقلة عدد المسلمين بحيث لا يمكنهم تحمل المشقات والعذاب فى سبيل الجهر بالدعوة .
ومع زيادة الإلحاح والطلب المتوالى ظهر ميدان الدعوة العمومية وقام الصديق الأكبر داعيا إلى الله تعالى
يذكر لنا صاحب البداية والنهاية قصة أبى بكر وما لاقاه من الكفار من الأذى ، حين طلب من النبى صلى الله عليه وسلم إعلان الإسلام والدعوة إليه أمام قريش ، وهى قصة معلومة ، وبعد ذلك فقد كان أبو بكر صاحب حظ عظيم ، حيث أنه فى ذلك اليوم ، فى الصباح ضرب بالنعال ، وفى المساء حبيب الله وصفيه يقبله على الوجه الذى ضرب عليه ،
فقال أبو بكر : ( بأبى أنت وأمى يا رسول الله ) ليس بى بأس إلا ما نال الفاسق من وجهى ، وهذه أمى برة بولدها ، وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها ، عسى الله أن يستنقذها بك من النار فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الإسلام فأسلمت ) .
وفى ذلك اليوم أسلم حمزة رضى الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا النبى صلى الله عليه وسلم نتيجة لهذه التضحيات بالإسلام لأحد العمرين عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام فكانت الدعوة يوم الأربعاء وأسلم عمر بن الخطاب يوم الخميس ، وذلك ببركة تضحيات أخته وزوجها .
الدروس المستفادة :
أ) هذه القصة تبين فى أحد جوانبها نموذجا من تضحيات ودعوة أبى بكر الصديق رضى الله عنه وفى الطرف الآخر درسا عمليا للدعاة فى الأجيال القادمة ففى المجمع العمومى فى حال أداء الدعوة لا ينبغى على القائمين بعمل الدعوة الإجتماع فى مكان بل عليهم أن يتفرقوا فى المجمع ، حتى إذا اقتضت الضرورة الدعوة الإنفرادية بعد الخطاب العام يكون فى ذلك اليسر والسهولة .
ب) بعد تقديم التضحيات للدعوة ، على الداعى أن لا يتحول فكره ، بل عليه أن يبقى مستمرا بفكر الهداية ، حتى لا يأتى الإختلاف والتفرق فى الدعوة نتيجة لما أصابه من أذى ومشقات فهذا هو الفكر الحقيقى ، والصديق الأكبر حتى وهو فى هذا الحال فكان فكره إسلام أمه وهدايتها .
ج) الدعاء قبل أداء الدعوة سنة نبوية ، لأن الهداية بيد الله تعالى لهذا قبل مخاطبة الإنسان ينبغى أولا الدعاء أمام رب هذا الإنسان بالعجز والتذلل وطلب الهداية .
د) بعد التضحيات والدعاء تظهر نتيجة الدعوة ، فبتضحية الصديق الأكبر رضى الله عنه كانت النتيجة أن أدخل الله فى الإسلام حمزة وعمر رضى الله عنهما ، فسخروا أنفسهم وتفانوا فى خدمة الإسلام وإقامة الدين ، والمقصود اليوم كذلك العمل مع ملاحظة هذه الأمور المتقدمة ، فقد يأتى أهل القوة والسلطان ولكن ينبغى أولا مجىء أهل التضحية والدعوة والدعاء ، ومثل هذا القسم من الناس لا يأتون إلا بالجهد المتواصل والمستمر .
فمما لاشك فيه أن أصحاب الحكومات والقوة خضعوا فى خلافة عمر رضى الله عنه ، ولكن عمر نفسه أولا خضع أمام أهل الدعوة والتضحيات ، ولهذا نفهم أن الأصل فى تكوين القوة والطاقة ، هو جهد الدعوة والتبليغ الذى بسببه ينشأ الإستعداد للتضحية للدعوة والدعاء ، وعندما يحب الله تعالى هذه التضحيات ويرضاها ويتقبلها ، فإما أن يهدى الله أهل الطاقة والقوة ، ويأتى بقلوبهم إلى الدين وإما أن يهلكهم أو يفنيهم .
ه) كل فرد من الصحابة الكرام رضى الله عنهم اجمعين وبلا استثناء كان يقوم بالدعوة والتبليغ ويؤدى هذه الفريضة بالفكر والجدارة المتناهيتين ، فى أثناء تأدية هذه الفريضة لم يكن يعوقهم أو يقف أمامهم المال والأولاد والوطن والتجارة والزراعة والصناعة والقوم والقبيلة ، بل أن التضحية بكل عائق كان من صفاتهم حتى لا يأتى الفتور والضعف فى دعوتهم .
وهذه قصة ضماد الأزدى رضى الله عنه ، أسلم ورجع داعيا إلى قومه فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : وعلى قومك ؟
فقال : وعلى قومى ،
فقد كان ضماد الأزدى سمع من سفهاء مكة أن محمدا مجنون ، وكان ضماد هذا يرقى من الرياح ، فجاء إلى مكة ليعالج النبى صلى الله عليه وسلم ولما سمع الدعوة ودعاه النبى صلى الله عليه وسلم أصبح بنفسه داعيا للإسلام .
فلنتفكر كيف أن إنسانا قبل قليل كان مخالفا للإسلام ، وبعد أن وضح أمامه الحق لم يكتف فقط بقبوله ،
ولم يقل : أنا الآن دخلت فى هذا الدين وإلى الآن لم أتعلم منه شيئا ، وهذا عمل عظيم ، فكيف أتمكن من معرفته والدعوة إليه ، لكنه أخذ على عاتقه وبهمة عالية وإرادة جبارة أهمية الدعوة لهذا الدين ، وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلا ورجع إلى قبيلته داعيا .
نتعلم من هذه القصص : كيف أن النبى صلى الله عليه وسلم علم أصحابه ورباهم على عمل الدعوة وأقامهم عليه ، فبقيامهم عليه بالجهد وتقديم التضحيات أصبحوا نواب الأنبياء ، وكان عمل الدعوة هو رأس مالهم الأصلى ، وسبب ارتقائهم لدرجات الكمال .
فكانوا أفضل الخلائق بعد الأنبياء ، فمن أول يوم يدخلون فيه الدين كانوا يبدأون العمل بالدعوة ويستمرون فيه إلى آخر يوم فى حياتهم ، حتى غن فكرهم وهمتهم فى أنفاسهم الأخيرة كان مصروفا فى هذا الشىء ، كيف ينتشر الدين ويدخل كل الناس فى طريق الهداية ؟
وفى الحقيقة إن عمل الدعوة هذا جامع لكل خير فبواسطة الدعوة وصل صوت الإسلام إلى الإنسانية وإلى العالم ،
6 сен 2024