تقرأ ما قاله فلاسفة الأمس واليوم في الموسيقا، ثم تسمع موسيقا القصبجي لتدرك أنك أمام عالم مرّ به وبخواطره ما تقدم في الشأن وما تأخر .. القصبجي فيلسوف يخط نظرية بدوره ويشرحها في آن، فيلسوف قد يوهمك ظنك أنه مخادع خطير ولكنه يُثبت - بخداعه الذي زعمته نفسك - صدقا بعد علم في كل نغمة يتداولها كتفصيل لما قبلها وتمهيد لما بعدها
تذوّق الموسيقا لا يترجمه الحديث عنها حق الترجمة وكل ما نكتبه عن الموسيقا يعكس أو يشرح انفعالاتنا ولكنه أبدا لن يفسّر الموسيقا
أنى لك أن تتحدث بثقة عما يفعله هذان الساحران هنا؟! على أيّة حال وبعيدا عن تأثير موسيقا وغناء العظيمين هنا فإنّ القصبجي يرينا لمحات لم نسمعها حتى في موسيقاه قبل هذا المونولوج
ما هذه المتوالية المخمّسة الغريبة في المقدمة التي ينخفض آخرها في كل مرة والتي تنتهي نغماتها ببداية الغراندي؟! ... قصب كأنه يمزح ! وإلا فكيف يبدأ ملحن أغنيته بغراندي بينما يستمعلها أصحابها في ختام الأوبرا؟!
ثم يعطي تسليمة أخيرة تتكرر مرتين ليكون صوت أم كلثوم - الباذخ في افتتاحه الشدو - ثالث المرات في جُلّ الـ"يا" الأولى !! تسليمة موسيقية وافتتاح غنائي في حالة اتحاد بل ذوبان
وأخيرا نهاية المسمع وسحر تكرار النداء والمنادى وفيه كل إصرار الحنين والحديث عن غنائها في بيتَي الافتتاح يطول لولا أننا قد أطلنا بالفعل
لا يزال القصبجي محروما من دراسات جادة تحترم صنيعه العالي ولا تزال موسيقاه تشكو من عجز المتخصصين والمتذوقين في خلق صياغة تبسّط موسيقاه ... تبسّطها للتعارف ولا نطمع بالإحاطة على الأقل في زمننا الراهن
المهتمون بأساطين موسيقا الكلاسيك الغربي لا يروننا حتى بالمجهر من هناك
14 окт 2024