محاولة لتتبع استمرارية الحكمة المغناة المتوارثة عبر أجيال من المؤديين من أيام الكيميتيون الذين كتبوا فلسفتهم في شكل أدبي شبيه بالمسرحيات الغنائية يؤدي غنائا و تمثيلا للعامة الذين كانوا في أغلبهم لا يقرأون و لا يكتبون.
نشاهد نماذج من هذه الحكمة المكتوبة علي برديات تؤدي إلي اليوم الحاضر في الموالد و المناسبات الشعبية بعد غلق بيوت الحكمة الكيميتية منذ أكثر من ألفين سنة و بلا تغيير يذكر في الموسيقي و لا في الكلمات، من أجل فهم الفكر الكيميتي و كيف تطور من الدولة القديمة إلي حد وصول الإغريق
للأسكندرية.
نشاهد حكاية الملاح الغريق يغنيها منشد تقليدي بدون اي ادراك مسبق الي يوم ان سجلنا معه انه يؤدي نص عتيق، نستمع لأدب الحكمة علي لسان حكاء شعبي علي الربابة، و اداء شبه مطابق لبرديات أمين أيموبيت عن الحكمة الكيميتية علي لسان منشد الذكر الشعبي، نشاهد ادوار الخراط و بهاء طاهر يقرأون أجزاء من كتاباتهم و تحليلهم لإمتداد الأدب الكيميتي، مع تحليل علمي من د.
مرفت عبد الناصر و د. ستيفان كويرك و د. أيمن الدسوقي و مع تقديم من الفنان عمر الفيومي.
تحولت مصر كيميت من وطن جغرافي الي فلسفة: ( الوطن الفكرة ) بعد نجاح عملي لمنطق التعدد الثقافي و التعدد العرقي التي عاشته كيميت من قبل عصر الأسرات و حتي بداية الدولة الحديثة عندما استحدثنا قانون التمصر ( أن تكون كيميتيا ) الذي ينص علي أن أي مهاجر الي كيميت يقضي بها عشر سنوات و يثبت كفائته في الزراعة و التعاون مع المجتمع المصري و تعلم اللغة المصرية يصير مواطنا مصريا بشكل رسمي، و لو كان حتي سابقا من جنسيات معادية حربيا للدولة المصرية القديمة ( أسري الحرب ) و أيضا بعد نجاح فكرة الوحدة بين الشمال ( بحري ) و الجنوب ( الصعيد ) و التوحيد السابق لذلك بين ٤٢ مملكة صغيرة هم الأن محافظات مصر، فكرة الوحدة تلك التي كانت قد نشأت بسبب التعاون العملي الذي كان سائدا بين المحافظات من أجل تبادل المحاصيل الذي هو كان قد تصاعد الي ضرورة حياتية لا يمكن تجاهلها إلا للأغبياء و سكان كيميت لم يكونوا أغبياء، هذا التعاون و التوحد و تقبل الأخر و صهره في المجموع و تطوير المجموع ليصير متفتح للأخرين، هو ما سهل خلق فكرة الحب المتسامي ( Agape ) الفكرة التي كانت قد ظهرت في كتابات إمين أيمو بيت رئيس بيت الحياة في عصر الملك رع مسي التالت التي واحدة منها تقول :
"هذه المعرفة التي هي توفرت لدينا فقط بفضل محبته لنا" و في فقرة أخري يقول: "فتصير تلك المعرفةكمثل ميراث يتركه أب لأبنائه حق و نعمة مكتوبين علي أوراق، و إن تهدمت أعمدة و حوائط بيوت الحياة، تعيش بداخل كل المستحقين من كل جنسيات الأرض".
جوهر المحبة المتسامية تلك تطور في كيميت عبر مئات الأعوام حتي وصلت إلينا مؤخرا كتابات من عصر ما بعد الأسرات و قبل العصر الهلينيستي التي تتحدث بطلاقة أكثر عن المحبة بين البشر .. و من بعدها نقلها أحد الدارسين من المهاجرين الي مصر و صارت الفكرة المحورية في المسيحية و التي هي بدورها انتهت و تغيرت بعد خطف الأمبراطور الروماني للمسيحية و تحويلها الي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية بعد انتشارها الطبيعي في أرجائها .. و قبول الرومان للأمر الواقع من بعدها و اختطفوها و حولوها الي طقوس تعبدية و نظام للدولة بدلا من الحب المتسامي.
و عند تغول الإمبراطورية الرومانية في مصر كيميت و التي هي كانت إمبراطورية قومية شعبوية متسلطة حربيا و نمو فكرة التسلط علي شعوب أخري من سكان الكوكب تم تدمير ما تبقي من بيوت الحياة في كيميت الجغرافية .. حيث لم يرتضي سكان بيوت الحياة الصمت و دفن ما تعبوا في تطويره من فلسفات عبر ثلاث آلاف من السنوات قرروا ان يستمروا في غناء و حكي الفلسفة شفاهية كما كانوا يفعلون و لكن في الشوارع و في المناسبات التي هم لاحظوا أن الكيميتين لم يتخلوا عن الإحتفال بها رغم انتقالهم رسميا الي ثلاث ديانات أخري، عاشت تلك الفلسفة في الشكل الغنائي ( Musicals ) و أحبها المصريين عبر العصور رغم أنف المتشددين من رجال الدين من الثلاث أديان و التي كانوا دوما و بإستمرار يحاولون التعدي علي ذلك النوع الفني و حتي يومنا هذا و فشلوا مجددا باستمرار و ذلك لعمق تلك الفلسفات في وجدان المصريين و لمحبتهم لها.
هذه الأنشودات التي هي يغنيها المصريين حتي اليوم في صورة موواويل و سير و زار شعبي و التي نجد صداها في فلسفات انتقلت عبر الحضارات الي اوروبا و درسها المفكرين في بردياتها و من خلال حكمة هرميس تحوتي و طوروها الي فلسفات معاصرة هي ما تجعلني أنا شخصيا أحس أن فناء كيميت التاريخي إنما هو فناء البذرة في الطين لتصبح زراعة و محصول و وجدان جمعي للبشرية يجعلني أحس أني أعيش في كيميت الكونية .. كيميت الغير جغرافية .. حضارة هي الأن تحاول الإنتقال بالإنسان في أنحاء الكوكب من وحش حيواني محارب إلي إنسان أرقي يعتمد التعاون و العلم كوسائل للوصول إلي حالة إنسانية أرقي هي في الواقع لم تولد بعد و أيضا أحب أن أعتقد أنها ستولد قريبا جدا.
28 янв 2017