لماذا يصدق محمد الصدر بكل خبر موضوع؟ ما هي حقيقة رسائل الامام المهدي للشيخ المفيد؟
في مراسلة المهدي (ع) للشيخ المفيد
فقد تفرد الطبرسي (توفي ٥٤٨) في الاحتجاج بذكر كتابين أرسلهما الإمام المهدي (ع) إلى الشيخ المفيد ، يتضمنان بعض المطالب الصحيحة الواعية ، وبعض التنبؤات الرمزية على ما سنذكر
فيما ينبغي أن نعامل به هاتين الرسالتين ، بحسب القواعد العامة ،من حيث سندهما تارة ومن حيث مداليلهما أخرى. والملاحظ في هذا الصدد أن الطبرسي ذكرهما بدون سند ، ولم نجدهما في المصادر المتأخرة عنه فضلاً عن المتقدمة عليه . فهما روايتان مرسلتان وغير قابلتين للإثبات التاريخي من هذه الناحية .
إلا أن الذي يرجح الأخذ بهما عدة أسباب :
السبب الأول :
إرسال الطبرسي لهما إرسال المسلمات ، مما يدل أنه كان معتقداً بصحة سندهما ، وربما يكون قد حذفه لمدى شهرته ووضوحه ، كما فعل في كثير من روايات كتابه ، وإن كانت مصادر هذه الإسناد قد تلفت في العصور المتأخرة عنه . وهذا السبب يعطي ظناً كافياً بصحة السنة ، وإن كان لا يبلغ حد الإثبات التاريخي .
السبب الثاني :
تضمن الروايتين ، على ما سنسمع لتوجيهات عالية وتنبؤات صادقة . بحيث لو كنا علمنا بها قبل وقوع الحوادث المذكورة فيها ، لجزمنا بعدم إمكان صدورها إلا عن المهدي (ع) .
السبب الثالث :
إن المصلحة العامة تقتضي صدور هذه الرسائل ، في أول زمان الغيبة الكبرى ، وذلك لإحراز مصلحتين :
المصلحة الأولى :
إعطاء المهدي (ع) لقواعده الشعبية القواعد العامة والمفاهيم الأساسية التي ينبغي أن يعرفها الناس وتكون سارية المفعول خلال عصر الغيبة الكبرى . بحيث لولاها لكان من المحتمل أن يُساء التصرف في الدين ، وينغلق باب الوصول إلى الأهداف المطلوبة في الإسلام .
المصلحة الثانية :
إعطاء المهدي (ع) القيادة الرئيسية من الناحية الإسلامية بيد العلماء الصالحين ، بعد أن انسحب هو منها من الناحية العملية ، وانتهى السفراء الخاصون أيضاً . فكان أهم العلماء الصالحين في ذلك العصر ، هو الشيخ المفيد، ومن هنا وجّه الرسالة إليه ، ليكون هو - بصفته عالماً صالحاً - المنطلق الأول لانتشار التعاليم العليا والتوجيهات الرئيسية .
وحيث نعلم أن الأسلوب الطبيعي لإيجاد هاتين المصلحتين ، منحصر بطريق المراسلة ، كما كان عليه الحال خلال الغيبة الصغرى ، يكون الظن عندئذ بصدور الظن أن هاتين الروايتين يصلحان للإثبات التاريخي ، بالرغم من الإرسال الذي يتصفان به .
التنبؤات بوقوع حوادث قريبة أو بعيدة بالنسبة إلى زمن صدور الرسالة . ويغلب على عبارات هذه التنبؤات، شكل الرمزية والغموض والكلية في المدلول ،
وكلا الخطابين مكتوبان بإملاء المهدي (ع) وخط غيره من بعض ثقاته ، كما يظهر من الرسالة الأولى ، وتنص عليه الرسالة الثانية . ولكنهما معاً مذيلان بأسطر قليلة بخط الإمام نفسه ، يشهد فيها بصحة هذا الكتاب ، ويأمر الشيخ المفيد بإخفاء الرسالة تاماً عن كل أحد . ولكن عليه أن يكتب عنها نسخة ليطلع عليها الموثوقين من أصحابه أو يبلغه لهم شفاها ليعملوا بما فيه .
نص الرسالة الأولى :
"للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد ، أدام الله أعزازه ، من مستودع العهد المأخوذ على العباد .
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد ، سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين ،المخصوص فينا باليقين .فأنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأل الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين .
ونُعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق ، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قِبَلَك ، أعزهم الله بطاعته ، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته ...
قوله (ع) : قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة .
فإن المهدي (ع) لا يقوم بالعمل إلا بإدن الله تعالى ، وحيث صدر الإذن بإرسال هذا الكتاب ، فقد تصدى المهدي لإرساله .
ولفهم هذا الإذن أطروحتان :
الأولى : صدور الإذن المباشر من قبل الله عز وجل في كل واقعة واقعة . ذلك الإذن المستفاد بالإلهام ونحوه من مراتب العلوم التي يختص بها الإمام المعصوم (ع) كما دلت عليه بعض الأخبار .
أنه عليه السلام يعلم بالأخبار ويطلع على أفعال الناس ، عن طريق الإلهام الإلهي ، أو الطريق الإعجازي الميتافيزيقي . ويؤيد ذلك ما دل على أن أعمال البشر أجمعين برها وفاجرها تعرض على الإمام في كل يوم وليلة ، ليرى فيها رأيه . وهو قوله تعالى : }فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون| ، وهم الأئمة عليهم السلام ، على ما نطقت به هذه الروايات
فهذه المهمة لا يمكن تنفيذها ، إلا بوجود الإلهام للقائد العالمي . وحيث أن المهدي (ع) هو أحد الأئمة المعصومين ، طبقاً للمذهب الإمامي ، وقد ثبت بالضرورة كونه هو القائد العالمي في يوم العدل الموعود طبقاً لضرورة الدين الإسلامي ، بل كل الأديان السماوية ... إذن فيتعين كونه مؤيداً بالإلهام من قبل الله عز وجل . وإذا كان مؤيداً بالإلهام من قبل الله عز وجل . وإذا كان مؤيداً بالإلهام ، فلا غرابة من اطلاعه على أعمال العباد وكونه على مستوى الأحداث .
في استعراض نص الرسالة الثانية التي رواها الطبرسي مرسلاً عن الإمام المهدي (ع) . ولها من قيمة الإثبات التاريخي ما ذكرناه للرسالة الأولى .
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق . ... وبعد : فقد كنا نظرنا مناجاتك ، عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه وحرسك به من كيد أعدائه . وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا بنصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان . ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان. ...
نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها : هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي ، بإملائنا وخط ثقتنا . فاخفه عن كل أحد ، واطوه ، واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله .
14 окт 2024