القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم
قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء 59)
يستخدم الحكام منذ العهد الأموي وحتى اليوم هذه الآية للتحكم في رقاب العباد، معتبرين أن طاعتهم واجبة بأمر من الله، وأعانهم الهامانات في كل زمان، ابتداءً من اختراع أحاديث من قبل "إن كان لله في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك فأطعه"، إلى تأليف فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
ونقول أن مصطلح "أولي الأمر" لا علاقة له مطلقاً من قريب أو بعيد بالأمراء والولاة والحكام، فالولي في اللسان هو النصير والمشرف والحليف والصديق والمطيع، ومنه الوالي أي القائم بحكم البلد وأهله.
وفي التنزيل الحكيم وردت طاعتان للرسول، طاعة منفصلة وطاعة متصلة، وكلتاهما لا تكونا إلا من مقام الرسالة، أي للتشريعات التي سنها الله في محكم تنزيله، وللشعائر طاعة متصلة، وللتشريعات التي سنها الرسول (ص) وفق السلطة التشريعية التي كانت بيده طاعة منفصلة، لأن الطاعة لا تكون إلا للقانون، وعلى هذا الأساس تأتي {أطيعوا الرسول} وبالتالي عندما ربط طاعة الرسول بطاعة أولي الأمر لم يقصد أبداً طاعة السلطة التنفيذية التي تملك أداة الإكراه في الحكم، بل قصده الأساسي هو طاعة القانون، أي طاعة السلطة التشريعية التي تسن القوانين، لأن اتباع القانون يكون بصفة طوعية اختيارية على عكس السلطة التنفيذية التي لا تكون إلا بالإكراه، وكما قلنا سابقاً نحن حين نطيع شرطي السير نطيع قانون السير وليس الشرطي كشخص، أي الطاعة للقانون وليس لمالك أداة الإكراه، والله تعالى يقول على لسان الكافرين {َقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} (الأحزاب 67 - 68) والمتأمل في هاتين الآيتين يجد أن طاعة السادة والكبراء تقوم على الإكراه لأنهم يملكون السلطة التنفيذية، بينما طاعة الله ورسوله وأولي الأمر طاعة طوعية (السلطة التشريعية)، وإلا فلعن الكافرين لسادتهم يصبح غير مبرر، وهذه مهزلة كبيرة في البلدان التي يحق فيها لرأس السلطة التنفيذية أن يصدر مراسيم تشريعية.
shahrour.org/
29 авг 2024