4- الجزء الرابع من الدرة البيضاء - صدور العقل الأول ونظرية الفيض - للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي 

www.ibnalarabi.... * لكي يصلك ما هو جديد -- * الاشتراك في القناة * إعجاب👍 Like🌹الاشتراك Share 💝تفعيل جرس🔔التنبيهات
------
[صدور العقل من الله تعالى]واعلم أن هذا العقل الأول الصادر من الله تعالى وحده، وصدور الأشياء على التوالي ما ذلك لما يقتضيه وجود الحق، وأنه مثلا لا يمكن أن يصدر عنه إلا واحد، وأنَّ هذا محالٌ، ولكن أراد ذلك، وشاءه، ولو شاء أن يوجد العالم كله دفعة واحدة ولا يترتب شيء على شيء، لما كان ذلك على الله بعزيز، ولو شاء الله أن يخلقهم في الأخرة دون الدنيا، ويُنزل كلَّ منزول منزله ومسكنه، من غير تكليف سابق، لم يكن ذلك عليه بعزيز؛ لما ذكرناه (في أول هذا الكتاب) من كونه تعالى مريداً، وكون العالم ممكناً.فإنَّ (الله تعالى) ما (بمعنى الذي) أوجده، يعني العقل الأول، واحداً اختياراً منه سبحانه وبسابق مشيئته، ولا يحكم بذلك، أي بكونه خلقه الله وحده، إلا حتى يقول الشارع (أي المُشرِّع) إنَّ الله خلق واحداً. حينئذ فهذا المخلوق، وإن كان واحداً من حيث ذاتُه، إلا أنه لا بدَّ أن يخلق معه في حال خلقه: "صفته"، التي هي مشروطة بوجوده، في عينها، لا من الجملة. فاذاً، فلم يخلق واحداً، وإنما خلق خلقين، أو ثلاثة؛ بما خلقه الله عليه من الصفات، فإذا جاء الشارع بأنه خلق واحداً، فمعناه أنَّه خلق واحداً قائماً بنفسه. (وفي ذلك إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله العقل"، وفي حديث: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر"، وفي حديث: "ثم خلق منه كلَّ خير")[إن الله تعالى مختار]فلنرجع لكونه تعالى مختاراً، ونقول، على حد ما قررناه، أنه: لا معنى للقدرة إلا تعلُّقَها بكلِّ ممكنٍ، لذاتها، وليس في حقيقة الممكن أن يمتنع بنفسه عنها. فلما رأينا أن الممكن ليس من حقيقته الامتناع، ورأينا القدرة تتعلق لذاتها، ولم نر الممكنات وقعت بأسرها واحدة، علمناه على القطع أن الموصوف بالقدرة لو لم يكن مختاراً مريداً قد سبق في علمه وجود ذلك الواحد، لا وجود الكل دفعة واحدة، لما تُصوِّر هذا، فقلناه أنه: مريد، مختار، يفعل ما شاء، كما قال تعالى: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [58: 16]، وقال: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) [81: 29]، وقال: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) [32: 13]، وهو سبق المشيئة والعلم. لا فاعل في الوجود إلا هو.[نظرية الفيض]ثم اعلم أن معنى قول من قال: "إن الواحد لا يصدر منه إلا واحد"، فليس كما تخيله مخالفو أهل الحق، المطموسة بصائرهم عن الاستبصار بنور الشرع، والعقل السليم، حيث تحكموا في معرفة موجودات لا يصح إدراكها إلا بطريق الكشف، أو إخبار (النبيِّ) الصادق، عن الله، لا غير. لا بالفكر، كما زعموا فيما قالوه: إن الله واحد من كل وجه، أي: ليس له صفة البتة، فلا يصدر عنه إلا ما تعطيه الوحدانية، وهو واحد؛ ثم جعلوا ذلك الواحدَ معه أزلاً، ونفوا أن يكون الله خالقا له! ثم قالوا: وذلك الواحد الذي صدر عنه، هو ممكن، وهو ثلاثة باعتبارات مختلفة؛ وذلك أنه "عقل نفسه" و"عقل صانعه" و"عقل أنه ممكن"!ومن عَمْيِ بصائرهم أنهم ما تفطنوا أن هذا يلزمهم (نفس الاستقراء) في حق الوجود المطلق، وهو إنه "عقل نفسه" و"عقل أنه واجب الوجود" و"عقل هذا للموجود المقيد"، وربما، إن بحثوا، يزيد لهم عقل رابع، وهو أنه عَقَل (كون) صانعه واجب، لأنه لا يلزم إذا عقل (كون) صانعه أنه ممكن، فأثبتوا مرتبة ثالثة، فيلزمهم الرابعة، لزوماً صحيحاً، ويكون الباري أيضاً يَعقل هذا ممكناً، فتكون أيضاً أربعة، فتوجد عنه أربعة أشياء: لكل واحد واحد، وهذا هذيان طويل لا تحصيل له.....[السببية الصحيحة]وهذه الأسباب، التي ترى وقوع الفعل عندها، ليس كما يتخيله الضعيف العقل، ولكن الله تعالى جعلها أسباباً بفعل المسبَّبات "عندها"، لا هي تفعلها، ولا هو سبحانه يفعله بها، ولو كان ذلك لكان مضطراً إليها، وكل ما يؤدي إلى افتقار منه يستحيل عليه الافتقار فهو محال؛ ولكن (الله سبحانه هو الذي) يفعله "عندها" (لا: بها، ولا: هي تفعله بنفسها، وذلك الوهمُ) ليُضلَّ (اللهُ به) من يشاء ويَهدي من يشاء، وليظهر عنايته لقوم، وخذلانه لقوم آخرين.لا كما يقول بعض الضعفة العقل: إن حركة اليد (هي) حركة الكُم، وحركة الأصبع (هي) حركة الخاتم! ولو علم واستنار بنور العقل، أنَّ الجسم، وكلَّ ما يتحرك، أنه لا يتحرك في الملاء، وإنما يتحرك في الخلاء، فلا بدَّ أن يكون الجسم أو المتحرك الذي يدَّعي هذا أنه يُحرِّك بحركته هذا المتحرك إلى حيِّزه، أنّه لا يتحرَّك إلى حيِّز المتحرِّك المتولِّد عنه حتى يفرغ هذا المحل، على زعمه، أحيازه التي هو فيها (فتكون النتيجة سابقة للفعل!)؛ فانظر ما أقرب وجه المسألة، وما أعمى المخالف عنها! والله على كل شيء قدير.[سبب ترتيب نضد العالم]فإذا تقرر ما ذكرناه وتكلم أحد، أو تكلمنا، على ترتيب نضد العالم، وتوقف بعضه على بعض؛ فإنما نتكلم عليه على حسب ما رتبه الله، لا على أن ذلك تقتضيه حقيقته، وأنه لا يجوز إلا ذلك، بل يمكن هذا الترتيب، ويمكن خلافه، ويمكن أن يوجد الله عالَم الأجسام قبل عالَم الأرواح، كما يقول بعض مخالفي أهل الحق أن النفوس الجزئية متأخرة عن وجود الأجسام، والممكن لا يصير واجباً أبداً لذاته، ولا يُعقل وجوب شيء إلا لذاته، والوجوب الشرعي لا يزيل الممكن عن حقيقة إمكانهُ ولو صح أن يصير الممكن واجباً يقتضيه العقل لاقتضى أيضاً أن يصير الواجب ممكناً، وأدى ذلك إلى بطلان الحقائق، ولم يبق بأيدينا علم أصلاً!فلا بد أن يبقى الممكن ممكنا، لأنه لنفسه هو ممكن، والواجب واجباً، لأنه لنفسه هو واجب، والمحال محالاً، لأنه لنفسه هو محال.فهذا بعض ما أجرى الله تعالى في الوقت، على ضيقه، من الجواب في هذه المسألة، وبسطنا القول فيها وكررنا من أجل فهم الناظر فيها، فإنه ليس كل فهم يكون له سرعة النفوذ، وفهم الكلام الموجز، والله سبحانه ينفعنا بالعلم، ويجعلنا من أهله بمنِّهِ لا رب غيره.تم الجواب، والحمد لله الوهاب، الجواد المحسان، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.