قصة قصيرة للكاتب الأمريكي إرنست همنغواي
الترجمة: موسى الحالول
النسخة صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت
"عاصمة الدنيا" قصة قصيرة تدور أحداثها في مدينة مدريد النابضة بالحياة بإسبانيا، يبدأ المشهد في نزل شعبي يدعى "لواركا". يغص "لواركا" بالنزلاء من مصارعي الثيران "من الدرجة الثانية". بطل القصة، وهو صبي ريفي صغير يُدعى باكو تعمل أختاه أيضًا في لواركا وأرسلوا في طلبه من قريتهم الصغيرة.
باكو يحلم بأن يصبح هو نفسه مصارع ثيران ونظرته الحالمة تلك تضفي طابعًا رومنطيقيا على "لواركا" ونزلائه.
يرسم همنغواي في هذه القصة اسكتشات لشخصيات نزلاء "لواركا": ثلاثة ماتدورات (المتادور: هو مصارع الثيران الذي مهمته مصارعة الثور وقتله)، بيكادورين (البكادور: هو مصارع الثيران الذي يمتطي ظهر حصان أثناء المصارعة)، وباندريليرو (أحد رماة السهام أو الرماح).
أصبح أحد الماتدورات جبانًا بسبب تعرضه لإصابة حادة في بطنه، فيحاول أن يبدو مرحًا في محاولة لإخفاء مخاوفه. أما الماتدور الثاني فيعاني من مرض مزمن والمرض باد عليه، ولذلك يقضي معظم وقته في غرفته على الرغم من ظهوره في أوقات تناول الوجبات. والماتدور الثالث رجل اجتذب الحشود ذات يوم بسبب شجاعته في الحلبة، ولكن أسلوبه يعتبر الآن من الطراز القديم والذي أصبح بطبيعة الحال، مثل بقية زملائه المقيمين، من "الدرجة الثانية".
البيكادور الأول ذو شعر رمادي ويشرب بكثرة كل مساء، ويحدق في أي امرأة في الغرفة ويعامل الجميع بازدراء، بينما الثاني رجل كبير مشاكس للغاية بحيث لا يمكنه العمل لفترة طويلة مع أي مصارع ثيران. أما رامي السهام فهو في منتصف العمر، ولكنه ذو قدرة على العمل.
ظاهريًا، تبدو القصة قصةً بسيطة ومأساوية لصبي صغير ومثالي يموت قبل أن يتمكن من تحقيق أهدافه. يرى معظم النقاد (بالرغم من محدودية الآراء النقدية) أن باكو ببساطة هو من يلام على وفاته. ففي قراءتهم النقدية المبسطة للقصة، يرون أن باكو يشعر بثقة زائدة ويفتقر إلى المهارة كمصارع ثيران محتمل؛ فالمأساة إذن هي مأساة باكو، لكن اللوم يقع عليه في هذه المأساة.
بعيدا عن تلك القراءة المبسطة، يمكن لنا أن نقرأ القصة قراءة مختلفة تمامًا. كما هو معروف على نطاق واسع، فقد عانى همنغواي من مشاعر خيبة الأمل والفراغ بعد تجاربه في الحرب العالمية الأولى وطوال حياته. يتعبر عمله "مكان نظيف جيد الإضاءة" وأعمال أخرى له أرشيفا أدبيا لتوصيف هذه المشاعر وخصوصا الميل نحو العدمية الوجودية، أو الاعتقاد بأن الحياة لا معنى لها وأن الأفراد يجب أن يخلقوا أنظمة القيم الخاصة بهم ويعيشوا وفقًا لها من أجل جعل حياتهم حقيقية وجديرة بالاهتمام.
وعليه، فإن شخصية باكو ومأساة وفاته المبكرة يمكن أن اعتبارها نعمة مقنعة. فبدلاً أن يسحق الواقع والتجربة أحلامه البريئة، يموت باكو وهو يحاول تحقيق حلمه في أن يصبح مصارع ثيران.
إن استغراق همنغواي في وصف نزلاء لواركا من مصارعي الثيران "من الدرجة الثانية" يوحي للقارئ وكأن همنغواي يريد أن يصور كم الحطام العاطفي والجسدي الذي تعيشه العاصمة مدريد، مقابل البراءة الحالمة التي يجسدها باكو هذا الفتى الحالم الذي جاء من القرية الصغيرة. فجميع الشخصيات تعيش إلى حد ما حياة كئيبة وغير مرضية؛ فكأنهم بعد أن مرت به لحظات الذروة في حياة كل منهم لم يبق لهم ما يتطلعون إليه في المستقبل على العكس من باكو.
إذا فإن هناك استثناء واحداً فقط للكآبة العامة في لواركا، وهو باكو. إنه الشخصية الوحيدة التي تتصف بالفرح والبساطة والتساؤل. الأمر الذي جعل بعض النقاد يصفون هذا الجانب من الشخصية بالرومنطيقي.
باكو هو الوحيد الذي لديه معتقداتٌ ومثلٌ وأوهام يستقي بعضها ممن هم حوله. فبينما هو يتحدث إلى النادلين الآخرين في غرفة الطعام، يقول باكو لنفسه: "أنه نفسه يود أن يكون كاثوليكيًا صالحًا، وثوريًا، وأن يحصل على وظيفة ثابتة كهذه، بينما، في الوقت نفسه، أن يكون مصارع الثيران." إنه يتبنى معتقدات ومثل النقابيين اللاسلطويين والقساوسة والنادل في منتصف العمر ومصارعي الثيران الذين يحيطون به.
فمن ناحية، تعد مرونة باكو إحدى نقاط ضعفه، كما هي الحال بالنسبة لمثاليته. يمكن القول أن باكو هو مجرد فتى ريفي ساذج يسهل التأثير فيه بأحلام كبيرة جدًا فيلقي حتفه من خلال الثقة المفرطة. ومن ناحية أخرى، هناك شعور حقيقي بالتعاطف وحتى الحنين في وصف همنغواي لباكو ووجوده القصير في مدريد أو في الحياة. أحلام باكو ليست أحلام أحمق، بل مجرد أحلام شاب.
من الفقرة الثانية إلى الأخيرة من القصة، يكتب همنغواي، أن باكو «مات، كما تقول العبارة الإسبانية، مليئًا بالأوهام. لم يكن لديه الوقت في حياته ليفقد أيًا منهم، ولا حتى في النهاية ليتم توبته. ربما يكون من الأفضل لباكو، كما يشير همنغواي، أن يموت وهو يحاول تحقيق حلمه في أن يصبح مصارع ثيران بدلاً من أن يتعفن كجبان من الدرجة الثانية أو في مكان مثل لواركا.
إن المعرفة بنوع الاكتئاب واليأس الذي عانى منه همنغواي في مراحل من حياته يساعد القارئ على النظر في القصة بكثير من الجدية والتمعن.
Voice: Nizar Taha Hajj Ahmad
#LisanArabi
#لسان_عربي
#World_Literature
#Audio_book
#الكتاب_المسموع
#إرنست_همنغواي
#Lisan_Arabi
#قصص_قصيرة
#أدب_أمريكي
#أدب_عالمي
#كتب_مسموعة
6 сен 2024
