القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم"
تعقيباً على موضوع السرقة، فقد ورد سؤال: أين ورد تحريم السرقة وما هي العقوبة؟ هنا لا بد من تحديد ما هي السرقة، وكيف نربط بين كل أنواع السرقة المتعارف عليها في العالم.
لنأخذ قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 33) فالسرقة تندرج تحت البغي بغير الحق، وما يتضح أنه:
أولاً- محرم.
ثانياً- بالضرورة هناك بغي بحق، كما أن في قتل النفس هناك قتل بحق وقتل بغير حق.
فمثلاً بيل غيتس الملياردير الكبير كل ماله بغي بحق، نعلم كيف حصل عليه ودفع ضرائبه. أما السرقة بكل أنواعها هي بغي بغير حق، ولاحظوا أن هذا المصطلح يشمل طيف واسع من الأمور، ابتداءً من سرقة رغيف وانتهاءً بسرقة بنك وما بينهما، سواء سرقة أدبية أو فكرية أو الكترونية، أو سرقة معلومات أو أسرار الدولة، أو اختلاس بنك، أو غير ذلك الكثير مما يندرج تحت هذا المصطلح، مما أدى إلى وضع الحد الأعلى للعقوبة وهو كف اليد عن المجتمع نهائياً، أي السجن المؤبد، ولا يمكن أن يكون غير ذلك.
فمن سرق رغيف يسد به رمقه لا يعاقب، ومن سرق أكبر البنوك عقوبته السجن المؤبد، قابلة للتخفيف، وهنا نلاحظ خطأ الفقهاء عندما وضعوا نصاب قطع اليد كعقوبة لكل ما يدخل تحت السرقة، ولم يدركوا أن الشريعة الخاتم هي شريعة حدودية.
والسجن المؤبد هو العقوبة القصوى للبغي بغير الحق شريطة عدم استعمال السلاح، أما البغي بغير الحق بالقوة واستعمال السلاح فقد جاءت عقوبته بقوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهم يحاربون الله ورسوله لأن غاية خلق الإنسان هي حرية الاختيار وهي كلمة الله العليا، ومن يتعدى عليها يطعن بكلمة الله، فمن يخطف شخص بالقوة، أو يأخذ رهائن ويطلب فدية يجب إعدامه، أما من سطا على بنك من غير استعمال سلاح فيسجن مؤبد.
ودول العالم المتحضر كلها تتبع هذا الخط، وهي تقلد التنزيل الحكيم، وأكبر عار يلبس الفقهاء المسلمين أنهم استعملوا الآية لقهر كل معارضة سياسية بحجة الحرابة والفساد في الأرض، مع أنها ذات بعد جنائي مئة بالمئة وليس لها أي بعد سياسي، ولم يعطيها أحد بعدها الجنائي إلا الدول المتحضرة.
5 сен 2024