#عزمي_بشارة #Azmi_Bishara
أكّد المُفكّر العربي عزمي بشارة أنّ مسألة الثقافة الديمقراطية تأتي في آخر سلّم الانتقال الديمقراطي، مُوضّحاً أنّ المطلوب حدٌّ أدنى من الثقافة الديمقراطية لدى النخب الجاهزة، ليس لبناء الديمقراطية من جديد، بل لتبني النظام الديمقراطي الجاهز، مشدّداً على التزام الديمقراطية رغم الخلافات الحزبية، وعدم تبكير الصراع على السلطة، قبل أن تستقرّ الديمقراطية، لأن ثقافة الشعب في ظلّ النظام غير الديمقراطي، لا تتقبّل الصراعات الحزبية المبكرة، التي تُظهر وكأنّ النظام الديمقراطي نظامٌ من الفوضى، وأنّ السياسيّين يتبعون المصالح.
وبعنوان "ملاحظات عامّة حول الثقافة السياسية"، قدّم المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ورئيس مجلس أمناء "معهد الدوحة للدراسات العليا" محاضرةً افتتاحية لأعمال الدورة التاسعة من "مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية" الذي يعقده المركز في مقرّه بالدوحة ويستمرّ لثلاثة أيام
واستهلّ بشارة محاضرته الافتتاحية بمناقشة مفهوم "الثقافة السياسية" في مشروع الثقافة المدنية عند غابرييل ألموند وسيدني فيربا، والتي جرى تعريفها، منذ ذاك الحين، بوصفها القيم والمواقف والتوجُّهات التي تُعزّز نظاماً سياسياً ومنظومةً معيّنة من المؤسّسات السياسية أو تُضعفها، ويهتمّ الباحثون فيها بتوزيع أنماط التوجّهات السياسية والسلوك تجاه النظام السياسي ومركباته المتعدّدة، والموقف من دور الفرد أو المواطن في هذا النظام.
وعرّف المُحاضر، من جهته، الثقافة السياسية السائدة بوصفها تتألّف من المعايير الاجتماعية بشأن القضايا العمومية، وأيضاً من معارف الناس وآرائهم عن الدولة، والسلطة، والتراتبية الاجتماعية والسياسية، والولاء، والحقوق والواجبات، وغيرها. ويمكن استقراؤها من استطلاع مواقف الناس، سواء أكان ذلك عبر استمارة من الأسئلة الموجَّهة إلى عيّنة مختارة من السكّان، أم ربما، حالياً ومستقبلاً، من خلال سبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد تجميع البيانات الضخمة والفلترة والتصنيف؛ وكل هذا من دون أن نفترض علاقةً سببية بين القيم والتوجُّهات من جهة، والممارسة السياسية (بما في ذلك اتخاذ المواقف عملياً وعلنياً) من جهة أُخرى، وهما بُعدا الثقافة السياسية.
ثم انتقل صاحب "في المسألة العربية - مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" ليشتبك نقدياً مع الكثير من التحليلات التي تعُدّ أنّ الثقافة السائدة عموماً، أي ثقافة شعبٍ بأكمله، أو ثقافته السياسية مباشرةً، يمكن أن تؤثّر في تكريس النظم السياسية السلطوية.
وأبرز بشارة أنّه لا يتفق مع هذه التحليلات لأسباب خمسة: أوّلاً، لأنه لا يحمل شعبٌ بأكمله ثقافةً سياسية واحدة متجانسة، وثانياً، لأنّ ربط طبيعة نظام الحكم بالثقافة تفسيري محض؛ فمن الصعب إثبات وجود علاقة سببية واضحة بينهما، وما يجري عادةً هو ربط الباحث نظامَ حكمٍ قائماً بثقافة مستقرَأَة من المسوح والاستطلاعات أو من التحليل التأويلي للثقافة السائدة، وثالثاً، لأنّ هذا التفسير قد يُضمر، من دون أن يفصح، مشاركةً ما للشعب في السياسة، غير أنّه غالباً ما يُقصى الشعب الذي يعيش تحت وطأة السلطوية عن السياسة أصلاً. ورابعاً، لأنّ القيم والعادات الاجتماعية تُنظّم علاقات الناس ضمن الجماعة، أو المجتمع، عموماً، أمّا طبيعة علاقة الفرد والجماعة بالدولة الحديثة، فغالباً ما تفرضها الدولة، وتُحدّد قواعدها إذا حصل التلاقي المباشر بينهما، مع تسجيل تحفّظ مفاده أنّ الدولة الحديثة في حالة ضعفها في مقابل قوّة المؤسّسات الاجتماعية التقليدية، فإنّ مؤسّسات الدولة تتأثّر بها بشدّة. وخامساً، لأنّه لا يمكن فهم تأثير قيمٍ وأعرافٍ اجتماعية تُعدّ عناصرَ مكوِّنةً للثقافة السياسية في السلوك السياسي إلّا من خلال فهم تفاعلها مع الظروف والمصالح، بما في ذلك تأثّرها بها وبالنظام السياسي القائم وسياساته.
وحاجّ بشارة، في معرض عرضه الافتتاحي للمؤتمر، بأنّه يصحّ أن نرفض فكرةَ جوهرٍ ثابتٍ لثقافةِ أيّ شعبٍ رفضاً قاطعاً، وأن ندحضَ أيّ فكرة مفادها أنّ الثقافةَ كلٌّ عضوي واحد يتمثّل في جميع أجزائه، بحيث يمكن استخلاص الكلّ من معاينة الجزء، لكن لا يصح أن نُنكر وجود ثقافة لمجتمعٍ ما في زمانٍ ومكانٍ محدَّدين، وأنّ التسليم بوجود ثقافة كهذه في مركزها لغة محدّدة، وربما دين واحد، وحولهما تراث مكتوب وآخر شفوي، ورموز كثيفة المعاني، وفنون عمارة وأساليب حياة وغير ذلك، لا يعني أنّ لها جوهراً أخلاقياً واحداً، ولا أنّها وحدة متجانسة في الحاضر أو ثابتة عبر التاريخ، ولا أنّها هي نفسها موزَّعة بين الفئات الاجتماعية المختلفة
إحدى الخلاصات المهمّة التي استنتجها عزمي بشارة في خاتمة درسه وتحليله لمفهوم الثقافة السياسية، أنّ الثقافة الديمقراطية السائدة التي تساهم في التزام سيادة القانون وحقوق المواطن والتعدّدية السياسية، هي نتاج تطوُّر تدريجي للنظام الديمقراطي ونشوئه على مراحل، بما في ذلك التعويد والتثقيف عليها، استمرّ أكثر من قرن في الغرب. في حين أنّ بدايات النظام الليبرالي المتواضعة ديمقراطياً، لا تُفسِّرها أيُّ ثقافة سادت قبل نشوئها، بل تُفسَّر نشأتُها بظروف ومفارقات تاريخية متعلّقة بالعلاقات والصراعات والتوازنات بين أقطاب مثلّث الملك والأرستقراطية والبرجوازية الصاعدة في بريطانيا وفرنسا، ولظروف أُخرى في الولايات المتّحدة، ولم ينبع تطوُّر الديمقراطية اللاحق في أيّ بلدٍ من استحضار البيئة الثقافية السياسية الاقتصادية ذاتها التي سادت في هذه البلدان، ولم يمرّ من خلال الصيرورة ذاتها، وأنّ شروط الانتقال الديمقراطي في العالم المعاصر تتلخّص في استقرار الدولة وشرعيتها، وثقافة النخب السياسية المساندة للديمقراطية، وعدم معارضة الجيش والأجهزة الأمنية للانتقال، وربما عدم وجود بيئة إقليمية معادية للديمقراطية..
يمكنكم متابعة وقراءة آخر محاضرات وكتابات الدكتور عزمي بشارة من خلال الموقع الرسمي:
www.azmibishara.com
صفخة الفيس بوك
/ azmi.bishara
حساب التويتر
/ azmibishara
10 мар 2023