المختار بن أبي عبيد الثقفي المنتقم الكرار أم المدعي الكذاب 

المختار بن أبي عبيد الثقفي في ظلمات سجن طاغية العراق عبيد الله بن زياد لا يفتر لسانه صباح مساء في كل وقت وحين يصدح ويقول: أَمَا وَرَبِّ الْبِحَارِ، وَالنَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ، وَالْمَهَامِهِ وَالْقِفَارِ، وَالْمَلَائِكَةِ الأبرار، والمصلين الأخيار، لأقتلن كل جبار، بكل مهند بتار، بجند من الأخيار، وجموع من الأنصار، حَتَّى إِذَا أَقَمْتُ عَمُودَ الدِّينِ، وَجَبَرْتُ صَدْعَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَفَيْتُ غَلِيلَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَدْرَكْتُ ثَأْرَ أَوْلَادِ النَّبِيِّينَ، لَمْ أَبْكِ عَلَى زَوَالِ الدُّنْيَا، وَلَمْ أَحْفِلْ بِالْمَوْتِ إِذَا دَنَا. وَاللَّهِ لَأَقْطَعَنَّ أَنَامِلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زياد، ولأقتلن بالحسين بن علي على عدد من قتل بدم يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا.
أي كلام هو أخطر وأهم وأبلغ وأشفى للصدور في تلك الحقبة من تاريخ الأمة الإسلامية من هذا الكلام.
ولكن.... اسمع ماذا يقول رَفَاعَةُ بْنُ شداد، (ورَفاعة هذا من خيار أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومن الشجعان المقدمين. وهو من الرهط الذين تولّوا تجهيز أبي ذر بعد وفاته بالرَّبذة، وشهد مع علي صفين) قال رَفاعة: كنت ألصقَ شَيْءٍ بِالْمُخْتَارِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: دَخَلْتَ وَقَدْ قَامَ جِبْرِيلُ قَبْلُ مِنْ هَذَا الْكُرْسِيِّ، قَالَ رَفَاعَةُ: فَأَهْوَيْتُ إِلَى قَائِمِ السيف لِأَضْرِبَهُ حَتَّى ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدِّثْنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ رُفِعَ لَهُ لِوَاءُ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَفَفْتُ عَنْهُ.
جبريل يأتيه أي ضلال هذا؟
وقف عبد الله بْنُ الزُّبَيْرِ أمام عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فقال ابن الزبير لابن عباس: أَلَمْ يَبْلُغْكَ قَتْلُ الْكَذَّابِ؟ قَالَ: وَمَنِ الْكَذَّابُ؟ قَالَ: ابْنُ أَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ: قَدْ بَلَغَنِي قَتْلُ الْمُخْتَارِ. قَالَ: كَأَنَّكَ نَكَرْتَ تَسْمِيَتَهُ كَذَّابًا، وَمُتَوَجِّعٌ لَهُ. قَالَ ابن عباس: ذَاكَ رَجُلٌ قَتَلَ قَتَلَتَنَا، وَطَلَبَ ثَأْرَنَا، وَشَفَى غَلِيلَ صُدُورِنَا، وَلَيْسَ جَزَاؤُهُ مِنَّا الشَّتْمَ وَالشَّمَاتَةَ.
المختار بن أبي عبيد الثقفي هل كان منتقما كرارا شفى الله به صدور المسلمين من قتلة أبي عبد الله الحسين بن علي وآل بيته الطيبين، أم أنه كان مدعيا كذابا يتوصل بالكذب والكهانة إلى السلطة والنفوذ؟
سمعنا ماذا قال ابن الزبير وسمعنا ما قال ابن عباس وهناك كلام لابن عمر وشهادة لعمرة بنت الصحابي النعمان بن بشير وابنة الصحابي سمرة ابن جندب زوجي المختار وكذلك حضور لمحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وشهاداتٌ كثيرة قد تفصل في هذا الموضوع الشائك، وتجعلنا نقف مع شيء من الإيضاح حول هذه الشخصية الإسلامية الجدلية، تمكننا من فهم التاريخ بشكل أوضح ومعرفة الواقع بشكل أسهل وإن من شاء أن يتنبأ بالمستقبل فعليه أن يرجع إلى الماضي؛ لأن الأحداث البشرية تُشابه دوما أحداث الأزمنة الماضية.
فدعونا نفتح صفحات حياة المختار ونقلب فيها لنصل إلى المعرفة والفهم.
ولد المختار بن أبي عبيد الثقفي في السنة الأولى من الهجرة
والده هو أبو عبيد بن مسعود الثقفي، أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوج من امرأة اسمها دومة بنت عمرو بن وهب، وكان قبل تزوجه إياها يختار نساء قومه فرأى في منامه قائلًا يقول له: تزوج دومه. فإنها عظيمة الحومه. لا يُسمع فيها من لائم لومه فتزوجها، فأنجبت له المختار. وتزوج أيضًا من عَاتِكة بنت أَسِيد بن أَبِي العِيص فأنجبت له صفية. استعمله عمر بن الخطاب سنة ثلاث عشرة، وسارإِلى العراق في جيش كثيف، فيهم جماعة من أَهل بدر، وإِليه ينسب الجسر المعروف بجسر أَبي عُبَيد. فاستشهد أبو عبيد وأخوه الحكم وابنه جبر يوم الجسر.
لم مات أبو عبيد الثقفي كان عُمْر المختار ثلاث عشرة سنة وكان قريبا من عمه سَعْدَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيّ الذي كان من آنصار علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما
وَنَشَأَ المُخْتَارُ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ ثَقِيْفٍ، وَذَوِي الرَّأْيِ، وَالفَصَاحَةِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالدَّهَاءِ، يقول الذهبي: وَقِلَّةِ الدِّيْنِ.